الحمد لله وحده والصلاة على من لا نبي بعده، وعلى أله الطيبين الطاهرين وصحابته الغر الميامين والسلام، وبعد
قد وقفت على النكتة التي أطلقها محمد الداهوم وهي دعوتي إلى مناظرة رجل في النمسا ـ حيث أقيم ـ يدعى أميرا حظي بتزكية الداهوم فزعم أنه من أحسن طلبة العلم بالنمسا، إمام و خطيب متخرج من الجامعة الإسلامية، وشهد الداهوم له بأنه أعلم منه، ثم قطع الداهوم على غيبي بأنني سأرفض مناظرة صاحبه، وتعليقا على ذي النكتة ـ وليست بأول نكتة وحتما لن تكون آخرها ـ أقول مستعينا بالله جلّ مجده :
1ـ ليس الداهوم ممن يصلح للشهادة لأحد أو تزكيته، الرجل الذي أراد أن يُعرف ويشتهر بسبي و شتمي وبهتي وثلبي فأعطاه الله ما يستحق لا ما يشتهي، فبان للناس ـ بعدما عرض عليهم عقله ومدى فهمه ـ أنه دخيل على العلم وأهله، فليس منهم في شيئ، لغة ونحوا وصرفا وبيانا وحفظا وفهما ودركا وتحقيقا، إن هي إلا الجسارة مراهنة على ما يرجوه من إغترار الأغمار وتهريج الجهال، ورضا منه بقول من لا يزيدون عليه كثيرا : الشيخ، ومن شكّ في كلامي هذا فليلق نظرة خاطفة على بعض ما بضّت به قريحة الداهوم كتابة أو إرتجالا ـ قد تأهب له طويلا ـ فسيقف حتما على مبلغه من العلم والفهم و الصدق والأدب .
لي حيلة فيمن ينم و ليس لي في الكذاب حيلة
من كان يخلق ما يقول فحيلتي فيه قليلة
2 ـ أما صاحبه أمير فسلوا عنه النمسا ومن فيها ـ من غير الموتورين المقموعين ممن سبوه بالأمس وهم اليوم مستعدون لرفعه زورا، حسدا وكبرا ـ سلوهم عنه هل عُرف يوما بعلم أو فضل وهل له عند أحد كبير قدر أو عظيم خطر؟
ثم ثنّوا فاستحلِفوا أميرا هذا ـ إن كان ممن يرجو لله وقارا، فقد بلونا عليه الكذب وبهت الناس ـ كم من مرة إستنجد فيها عدنانَ إبراهيم ـ مهاتفة وكتابة ـ في معضلات علمية عرضت له من طرف نمساويين إبتلي بإيراداتهم واستشكالاتهم فلم يجد منها مخرجا إلا أن يُهرع إليّ و يعول عليّ؟ وسلوه عن المرات التي صلى فيها الجمعة خلفي كلما قدم إلى فيينا إذ يسكن بعيدا منها، وما حدث مرة ـ وسلوا زهاء ألف من المصلين خلفي ـ أن تقدم أحد إليه عندنا بسؤال أو إستفتاء، فالرجل لا يُعرف بين الناس بعلم ولا فهم يرفعه كثيرا في نظر الناس فوق مرتبة العامة، أما أنه حيث يعيش أمّ وخطب فهذا قد سمعت به منه ـ و لكني ما أظن أنكم سمعتم بحرصه عبر السنين على شراء تسجيلات خطبي ومحاضراتي ليتحفظ ما فيها يستعين به في خطبه حيث يخطب، و كأين من خطيب وإمام مسجد في دنيا المسلمين اليوم لا يمتاز من بين الألوف من أمثاله، إذ كل يصلح أن ينوب عن كل، و ما أعظم جناية الألفاظ على الحقائق في أذهان العامة، فكل من تكلم في الدين و إرتقى منبرا سموه شيخا، مع أن الفرق بين شيخ و شيخ كالفرق بين صاروخ فضائي وصاروخ من ورق .
3ـ لما أثار الداهوم ومن معه قبل شهور قضية موقفي من معاوية، وشرعت بالرد على تخاليطهم وتخابيطهم، إتصل أمير هذا ـ عبر أخ فاضل من إخواني ـ يطلب مباحثتي فكان ردي : يا حيهلا أقبل يوم السبت إذ أعقد محاضراتي وسل عما أردت واعترض بما شئت ، فأعرب عن أنه يريد أن يجلس إلى جانبي يناظرني مناظرة الند للند ـ كما إتفق لحزب التحرير ـ ولو قد فعلت لقال الجهال من الناس : عدنان وأمير وأمير وعدنان، وما هذا والله الا من المهانة، ووالله ثم والله لو ناظرت الداهوم أو الخميس ثم حطمتهم تحطيما ما كان لي في هذا شيئ من فخار أو شرف لأني والعقلاء نعرف مبلغهم من العلم و الفهم فكيف لو ناظرت اميرا هذا؟ ـ فقلنا له : أربع على ظلعك وإعرف قدر نفسك فلست هناك وما هذا عشك فادرج، ثم قلنا له : ولكن دونك فاختر أوثق عالم لديك وأرسخه عندك ممن يعيشون في الدول العربية فليناظرني ـ وذلك أن كل من بالنمسا ممن يترسم برسم العلماء و يكتفي بالبهت والنكير من وراء وراء وإذا قيل : ها هو الرجل بين ظهرانيكم ماثل فناظروه كعوا جميعا ونكصوا، ومثلهم بعض من يتردد على النمسا بين الحين والآخر من مشاهير العلماء يستغاث به : أن ناظر عدنان ناظر عدنان، فقد أعيانا، فلا يجيب البتة، يتكررهذا منذ سنين، والكل يشهد عليه ـ فأجاب أمير : الشيخ عثمان الخميس، فقلنا : فحيهلا، لا شرط لنا إلا أن تكون المناظرة علنية في الخلاء لا في الملاء، مسجلة موثقة الوقائع لئلا يقول قائل ويزعم زاعم فاسع أنت يا أمير في الموضوع ونحن جاهزون، أما البقية فيعرفها الجميع، يأتي ردّ عثمان الخميس و أصحابه في كل مرة : لا ثم لا للمناظرة، ثم يزعمون أن عدنان نكرة يبغي الشهرة على أكتاف الخميس !!! أضحك الله سنكم، عدنان من سنين بعيدة شهد له الجهابذة بما يعلم القاصي والداني، ولو طمع الخميس وأمثاله بنيل عشر معيشير تلك الشهادات لطاروا بها فرحا، ثم إن حظ العالم من العلم إنما يعرف ويتبرهن بما يبديه إذا تكلم وإذا كتب وحاجج، ألا رحم الله إمرءا عرف قدر نفسه.
4 ـ أما وقد حصحص الحق وصرّح بفضل الله عن محضه وبان للأيقاظ الواعين أيّ الفريقين أقول بالحق وأقوم بالحجة، كما وضح مقدار كلٍ من الأدب والفهم والعلم والتحقيق، فإني أعلن ما يلي :
ـ لن أقبل من اليوم مناظرة أحد من هؤلاء ممن بضاعته السب والبهت والمغالطة والمكابرة، ثم هو عارٍ عن فهم الخطاب ودرك المراد، ولله در أبي الطيب :
ومن البلية عذل من لا يرعوي عن جهله وخطاب من لا يفهم
فالوقت أنفس ما يعنى بحفظه العاقل، وبين أيدينا من جسام المهام العلمية ما يشغلنا عن مهاترة الفارغين ومقارعة البطالين.فيا داهوم لا تحلم أن تسمع مني بعد اليوم كلمة أرد بها عليك بإسمك لأرفع خسيستك، فقد فعلتُ ذا من قبل معتصما بحبوة الأدب رجاء أن تفهم فما زدت إلا خبالا، فعلمتُ أنك وأشباهك لستم أهلا للخطاب، فاجهد جهدك لا رعى الله عليك إن رعيت.
و قد علمتُ أن لو ناظرتُ أمثال هؤلاء من العاطلة الكاسدة فقُطعوا لقيل : ومن هؤلاء ؟ إنهم ليسوا حجة علينا ولا مرجعيات لنا، مجرد طلاب علم صغار ما شدوا من العلم إلا حروفا.
و عليه أقول : إن أتوا بعالم نبيل يعدونه من كبرائهم و ثقاتهم، بحيث يقرون أنه إذا إنقطع فقد قُطع بهم وإن إنخذل فقد خابوا وطاش سهمهم، فهيا ثم هيا.
و أخيرا أقول : أما أمير هذا ـ الذي تريدون تقريبه قربانا تنحرونه في مناظرة تعرفون سلفا قبله أنه ليس كفؤا لها وما غايتكم إلا ستر عوراتكم ومداراة فضيحتكم بالهرب الموصول من مناظرتي عبر زهاء ثلاثة أرباع العام ـ فأقبل مناظرته دونما تردد إن أتيتموني بتزكية من ثلاثة من كبار علمائكم الموثوقين لديكم بأنه ينوب عنكم و يمثلكم بحيث تقرون بأن إنقطاعه إذا إنقطع إنقطاع لكم وإنفحامه إذا إنفحم إنفحام لكم،لا أن تعودوا إلى ما عودتمونا من المكابرة والمباهتة فتقولوا : من أمير المسكين هذا؟ هلا ناظرت كبيرا من جلة علمائنا ! فأنا أقول لكم الساعة : وفّروا وقتي وأوقات الناس ـ أما أوقاتكم فبيّن أنها عندكم هدر ـ و أتوا بكبيركم الآن ولا تنظرون، إني توكلت على الله ربي وربكم، وإن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
اللهم أعطني بصرا لأبصر به الحقائق بين الزيوف، و هب لي شجاعة لأصدع بها بالحقيقة بين الكارهين لها، وامنحني صبرا يثبتني على مجاهدة نفسي ومصابرة سدنة الباطل وحراس الجهالة، اللهم آمين.