لقد سبق الشيخ العلامة عدنان إبراهيم معاصريه بـمفاوز، علما وفكرا وخيالا وتعديدا للمراجع، بل وقوى اقتراحيةً ناضجةً تفاجئ حتى عقلاء الفكرِ والمعرفةِ، إلى درجةٍ تُفْقِدهم الثقة بما عندهم، وتحسِّسَهم ببعد المسافة التي بينه وبينهم.
أعرفه من المدافعين القلائل عن المبادئ الخالدة، من صدقٍ، وبحثٍ عن الحق وقولٍ به، ونصرةٍ للمظلوم، ورحمةٍ بالخلق.. مقدِّما لهذه المبادئ على ما سواها، وجاعلا إياها الحَكَم والقاضِيَ على الأفكار والنظريات، وحتى على الرجال مهما علا شأنهم، ولاح نجمهم.
إنه يضرب أروع الأمثلة وأوضحَها في مبدأ قِدَمِ الحق وصموده ضدَّ البهارج والزيوف، قِدَمًا لا تقادُما مع الأيام. حيث لا يمكن أن يَحل تزييفٌ مَحلّه، وإن ألبسوه أبهى الحُلَل، وإن كثُر القائلون به، ولو بأعلى الأصوات، بل وبأقواها. الشيء الذي سيقلق راحة النمطيين من المشايخ، ويقطع عليهم شخيرهم، وسيقلق راحة القوى الفكرية البسيطة، ممن أحيطت عقولهم بالأسلاك الشائكة، التي منعتهم من الاستفادة من كثير من الأبعاد في عملية التعقل. وكما سيقلق حتى ذوي النفوذ الذين يفضلون أن يتمثَّل الناس عقلا جمعيا، معروفا مساره، بسيطة أفكاره...صيانة لنفوذهم.
أما الشابَّةُ قلوبهم، والحادة عقولهم، والسريعة بديهتهم، الممتعضون من بضائع سوق الأفكار المترهلة – هذه الأيام - ، وبضاعة الفضائيات المضحكة في كثير من الأحايين، فالشيخ عدنان يعتبر بديلا حقيقيا، وانعطافا في تاريخ الفكر المعاصر، وأستاذا في الشجاعة العلمية والفكرية، بل ومبدعا حقيقيا، وسَقْيًا راوِيا في عهد الجفاف المعرفي النوعي. أما الغثاء فكثيرٌ..مع بهوتة لونه، ومساخة طعمه. ولكنْ.. لا يُرى على حاله إلا بالبصائر لا بالأبصار.
لقد عرفت الشيخ العلامة عدنان إبراهيم عبداً حرًّا، لا يقبل ولا يرضى بأي قيْد كان، إلا من الله تعالى في كتابه، وما صح سندا ومتنا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم. فهو يمارس ما أنيط بعقله الحر من تدبُّرٍ وتفكُّر واستنباطٍ بامتياز، حيث يستجيب لله ولرسوله مستميتا للكينونة والبقاء في طليعة أولي الألباب والنهى، فلم يُعطِ عقله يوما لأي شيخ أو تيار ديني أو فكري إلا على سبيل الإعارة الوقتية، ريثما يتأكد من القول أو الفعل هل هو موافق للصواب والرجحان أو مجانب لهما.
وحتى أزيل الغبش عمن يحاول تصنيف الشيخ، وأساعده على العدل في الشهادة والحكم..فالشيخ رغم كونه حرا طليقا في اقتناعاته، بفضل قراءته للآلاف المؤلفة من الكتب، إلا أنه مولع بمنهجية الشيخ العلامة القرضاوي في التعامل مع الكتاب والسنة، وكذلك العلامة عبد الله بن بية ومن سار على منوالهما الفقهي الفريد، ففيه من استبصار الغزالي، وحُنُو البوطي، وتأملات الشعراوي، وربانية عبد الله بن المدني، وموسوعية الجابري، وإنسانية عبد الوهاب المسيري..فهو لا يوافق أحدا منهم ومن غيرهم من كل الوجوه، وإنما يوافقهم في بعضها إن وافقهم ويخالفهم في أخرى.
أما عن همومه حفظه الله، فقد اجترَّ تراكمات المآسي الفلسطينية، فتمثَّلها مع باقي جراح الأمة وقام مناضلا مكافحا عما استطاع من قضاياها، فجعل من نفسه محاميا لا يفتر عن الدفاع عنها، في جميع المحاكم على اختلاف مراتبها، بل وفي كل محفل، إلى درجة الخروج عن الصواب أحيانا، وكأنه يُطعَن بالخناجر، أو يقوم على المجامر..يفاجِئُ الحاضرين وهو على المنبر بصرخةٍ، صرخةِ مُكتَوٍ بالنيران الملتهبة في صدور أمهات شهداء غزة، وبكاء أطفالها اليتامى...
لا أزكي شيخنا على الله، فهو أعلم بمن اتقى، ولكنها شهادةٌ فيه عن علم، وإنصاف لمن تعلمت منه مدة تزيد عن عشر سنين، فهو باري القوس، وفارس الميدان، والصَّاحب لكل منبر..يحفظه الله من كل مكروه، فلو علم الطاعنون فيه من المتعجِّلين ما أعلمه منه، لـهُرِعوا لوضع أيديهم في يديه، توفيرا للوقت، وإنقاذا لما يستطيعون إنقاذه للأمة من المحن التي تمر بها، لو كانوا يعلمون...
الشيخ مصطفى الشنضيض ، رئيس المجلس الإسلامي المغربي في اسكندنافيا .