1. يقول سيّد قُطب رحمَه الله وعفا عنهُ في الظِّلال، أنَّ دار الحَرب هي الدَّار التي لا يَحكُم فيها شرعُ الله. سواءً كان أهلُها مسلمين أم غير مُسلمين! طبعاً هذا الكلام هُو جذر من جذور التطرف. وهو كلام غير دقيق ولا يلتئِم بكلام الأئمَّة ولا بِكلام فُقهاء الإسلام العِظام في القرن العشرين المُنصَرِم.
2. هُناك قول لبعض كبار العُلماء المُعاصرين، أنَّ "مُصطلحات دار الإسلام ودار الكُفر (أو الحَرب) هي ليست مِن كِتاب الله ولا من سُنَّة رسولِهِ. إنَّما هي من إختراع الفُقَهاء إستجابةً لإملاءات الواقِع وظروفِهِ". طبعاً هذا الكلام فيه حقّ وفيه خطأ.
3. الحقيقة هي أنَّ هذه التقسيمَة (دار الكُفر ودار الإسلام) لها أثَر قرآني في سورة النساء. وقَول الفقهاء هُنا يستلهِم الكِتاب.
4. يتضح من خلال الآية رقم 92 من النِّساء، أنَّ الدُّور ثلاث: دار حرب (كفر)، دار إسلام، ودار عهد.
5. هُناك آية في سورة الفَتح قلَّ من التفت إليها. وهي: " ... ولولا رجالٌ مؤمنون ونِساءٌ مؤمناتٌ لم تعلمُوهُم أن تطَئوهُم فتُصيبَكُم منهم معرَّة بغير عِلم ...".
هذه الآية تُقرّر عدم إذن الله بِدَهم ومُهاجمة ديار كُفَّار مكَّة المُحاربين، وذلك بسبب وجود مؤمنين مجهولين بينَهُم! قيل أنَّ عدد أولئك المؤمنين سبعة. وقيل 12.
6. حسَب أكثر تعاريف السادة العُلماء من المذاهِب المتبوعة، فإنَّ دار الإسلام هيَ: الدَّار التي تكُونُ فيها السُّلطَة للإسلام والمُسلمين.
7. إختُلِفَ بعد ذلك في نقطة: هل معنى هذا التعريف، أن يكُون الحاكِم مُسلماً؟ أم أن تكُون الأكثرية في الدَّار مُسلمة؟! والأرجح في الإجابة على هذا السؤال، هُو أن يكون الحاكِمُ مُسلماً (الحُكم والتشريعات إسلامية).
8. دار الإسلام تجمَع شرطَين إثنَين. الأوَّل: أن تكُونَ فيها الغَلَبة للإسلام. بمعنى ظُهُور الإسلام بشعائره وطقوسِهِ في الدَّار (مِثل إقامة صلاة الجُمعة وصيام رمضان وغيرها). ولذلك كان النَّبيّ ينهى عن القِتال في دار فيها مَسجِد أو مُنادي يُنادي للصلاة.
وهُنا تلوح مُلاحظة: أليست أوروبا الآن تزحمُها المساجِد؟!
9. يقول الإمام الماوردي وابن حجر الهيتمي وغيرهُما، أنَّ المُسلمين القاطنين في دار كُفر إذا إنحازوا إلى بُقعة معينة في هذه الدَّار وأقاموا فيها مسجداً وصلّوا وأدوا شعائرهُم دون ترهِيب أو تخويف، فإنَّ هذه البُقعة تُصبح دار إسلام! وقالوا، يُستحبّ للمُسلمين أن يظَلُّوا في هذه الدار. وبعضُهُم قال: إن لم تكُن هناك ضرورة فيَحرُم أن يخرجوا مِنها!
10. الشرط الثاني لدار الإسلام: أن يأمَنَ كلّ من سكَن هذه الدَّار من مُسلمٍ أو ذمّي بأمان الإسلام (أمان الحاكِم المُسلم).
11. عند الإمام أبو حنيفة، يُمكِن أن تستحيل دار الإسلام إلى دار كُفر بشروط. أولاً: أن لا تكون السيادة والحُكم للمسلمين. ثانياً: أن لا يبقى أحدٌ من المسلمين ولا الذميين آمِناً بأمان الإسلام. ثالثاً: أن تُتاخِم هذه الديار ديار الحرب والكُفر بدون توسُّط ديار إسلامية.
12. ما الفرق بين دار الكُفر ودار الحَرب؟ الإجابة، أنَّ جماهير الفُقهاء من الحنفيَّة والشافعية والحنابلة يُطابِقون بين الدارين!
13. الحقيقة أنَّ الجماهير في مُطابقتها بين الدارين (دار الكفر ودار الحرب) كانوا يستلهِمون الواقِع المَعيش الخاص بزمانِهِم. وهذا الشيء تؤكده شواهِد كثيرة وواضِحة. مِنها مثلاً أنَّ أستاذ القانون الدولي البرفسور المصري محمد غانم حافِظ يقول أنَّ القانون الدولي إلى مطالع القرن العشرين لم يكُن يتعاطى مع الشعوب الإسلامية على أنها دُوَل بمُقتضى القانون الدولي. بل كان ينظُر لها على أنَّها دُوَل للإستعمار والأكل!
كما أنَّ مؤسس القانون الدولي الحديث هوجو جروسيوس في كتابه الأشهر "قانون الحرب والسلام" نادى بعدم المُساواة بين الدول المسيحية وغير المسيحية. ودعى القادة إلى التكتُّل ضد الدول الغير مسيحية!
14. العالَم اليوم إختلف كثيراً عما قبل. فالمسلمون الآن يأمنون على أنفسهِم ودينِهِم في ديار الكُفر أكثر من ديار الإسلام!
15. أوروبا الآن (ديار الكُفر) من الخطأ أن يُقال أنها ديار حَرب! ففيها المُسلمون وغيرهُم آمنون. صحيح أنهم ليسوا آمنين بأمان الحاكم المُسلم. ولكنَّهُم أيضاً ليسوا آمنين بأمان الحاكِم الكافر! بل هُم آمنون بأمان القانون الدولي (طرف مُحايد). فهذا الوضع الحالي جديد جداً وغير مسبوق.
16. اليوم، ليس هُناك أي مانِع من إنشاء قِسمة جديدة. فلا يجب أن نتحدث بمنطِق دار الإسلام التي تُقابلها دار الكُفر أو الحرب، بل يجب أن نتحدث بمنطِق الدُّول من منظور الحرب والسِّلم. وإذا نظرنا حالياً إلى هذه الدُّول (أوروبا مثلاً) من منظور الحرب والسلم، فسوف نجِد أنها في حالة سِلم مع الكِيانات الإسلامية داخِلها.
الخُطبة كاملة: بعضُ ألغامِهِم، الدُّور وأحكامُها.