الحلقات: الرابعة والخامسة والسادسة - بعنوان: ما هو التطور؟ ورحلة البيغل
ما هو التطور ؟
يقول فرويد أنَّ الإنسانية تعرَّضَت لضربتَين موجِعَتَين: الأولى سدّدَها كوبرنيكوس عِندما أزاحَ الأرض عن مركز الكَون. والثانية عِندمَا كَشَفَت الأبحاث البيولوجيَّة أنَّ الإنسان هُو من سُلالة حيوانيَّة متطوِّرة.ما هُوَ النَّوع؟
النَّوع هُوَ مجموعَة تتشارك في صفات مُعَيَّنَة، ويُمكِنُها أن تتزاوَج وتتكاثَر (تُنتج ذُرية) بين بعضِها البعض. وذُرّيَّتُها أيضا بدورِها قادرة على أن تتكاثر وتنتج ذرية.مثال:
عِندمَا نُزاوِج حِمار لِ فَرَس، ينتُجُ البَغل. ولكنَّ هذا البَغل (الذريَّة) يكُونُ عاقِر ا لا يستطيع التكا ثًر وإنتاج ذرية خاصة بهِ مثل أبويه.وهذا دليل على أنَّ الحِمارَ نَوع، والفرَس نوع آخر. ليسا نفس النَّوع لأنَّ ذريتهمُا لا تتكاثر.
ما هُوَ التطوُّر الصغروي – Microevolution ؟
هُوَ التطور أو التغيُّر الذي يحدُث داخِلَ النَّوع، ليسَ على المُستوى الخارجي النوعي الظاهِري، بل على المُستوى الداخلي الجيني، مع بقاء النَّوع هُوَ هُوَ بلا تَحوُّل.مثال:
البكتيريا التي تتطوَّر داخِل جسم الإنسان فلا تَعُود تُجدي معها المضادات الحيويَّة.وأيضا،ً الحشرات التي، بعد فترة، لا تُجدي معها المبيدات الحشريَّة وتحتاج مبيدات أكثر تطوُّراً.
باختصار: كانَت بكتيريا ← بَقيَت بكتيريا (لم تُصبِح كائنا أو نوعا آخر)
كانَت حشَرة ← بَقيَت حشَرة.
ومِن أشهَر الأمثلة على هذا النوع من التطور: فراشات ما قبل الثورة الصناعية والتلوث، وفراشات ما بعد الثورة الصناعية والتلوث في بريطانيا. قبل التلوث كانت الفراشات بيضاء على لون جذوع الشجر كوسيلة للاختباء والتمويه، أما بعد التلوث فأصبحَت غامقة على لون جذوع الشجر.
هذا التغيُّر في اللون حدَثَ بسبب: الطَّفرة.
ما هُيَ الطَّفرة؟
هيَ خطأ في نسخ أو دمج حلقات ال DNA عِندَ إنتاج ذريَّة. فبَدَل أن يتم نسخ ال DNA كما هُوَ، يحدُث خطأ في نسخ أحَد الحلقات، فتنتُج الطَّفرة. إن كانَت الطفرة ذات نفع، تبقى. وإلّا تفنى مع الزمن.الكُلّ يُصدِّق ويؤمن بحدوث التطوُّر الصغروي – Microevolution . حتَّى الخلوقيين. ولكنَّ المشكلة تكمُن في التطوُّر الكُبروي (الكبير - الانتواع) – Macroevolution .
بعض الداعمين للتطور يخدعون الناس في نقاشاتهم بمصطلح: Evolution in Action كدليل على حدوث التطوُّر الآن وحالاً أمام أعيننا، وبالتالي صحَّة النظرية تماما.ً ولكنَّهم بهذا المصطلح لا يقصِدون التطوُّر الكبير Macroevolution الذي هو محلّ النزاع، إنما يقصدون التطور الصغروي الذي لا يُنكره أحد أصلاً!
ما هُوَ التطوُّر الكبير – Macroevolution ؟
هُوَ التطوُّر من نوع إلى نوع آخر مُختلف تمام ا .بِمعنى: أن تتراكم الاختلافات والتغيرات البسيطة، كما في التطوُّر الصغروي، ولكن على مدى زمانيَّة طويلة جداً (ملايين السنين ربما) فيتحوَّل النوع إلى نوع آخر. هذا النوع من التطور يُعتَبَر قفزّة. وهو غير قابل للملاحظة بعكس التطور الصغروي.
هُناك تعريف شهير للتطوُّر على انَّه : أي تغيير يحدُث للمستودَع الجيني لعشيرة معيَّنة، ويتم نقلُه عبر
الأجيال.
ما هُوَ المستودع الجيني؟
هوَ عبارة عن مجموعة صفات معينة ثابتة لعشيرة معينة. وأي تغيُّر يحدث في تردد هذه الصفات يُعتَبَر تطوُّر ا .مِثال:
صِفة اللون مثلا لمجموعة من الدببة هيَ: 50 % أبيض، و 50 % بنّي. فإن تغَيَّرَت هذه النسبة لأي سبب من الأسباب وأصبحَت مثلاً: 70 % أبيض، و 30 % بنّي. فيُعتَبَر هذا تطوُّر ا بناءً على التعريف السابق.طبعا هذا التطور هو تطوُّر صغروي – Microevolution وليس تطوُّراً كبيرا.
ما هي أسباب حُدوث التغير في تردد المستودع الجيني؟
هُناك خمس عوامِل:- حُدوث تقَلُّص في عدد أفراد العشيرة (بسبب وباء معين مثلا).
- التَّزاوُج (التكاثر الجنسي).
- الطَّفرة (في صفة اللون: إنتاج لون رمادي مثلا ).
- الحَرَكة – الانسياب الجيني (قُدوم ضيوف جُدد. أو خُروج أفراد).
- الانتخاب الطبيعي (وهو جوهر التطوُّر وأهمّ عامِل).
طبعا الانتخاب الطبيعي لا يعمَل وحدَه. يجب وجود عامِل واحِد على الأقل من العوامل الأربعة السابقة، أو أربعتها كلها.
ما هُوَ الانتخاب الطبيعي؟
هُوَ انتخاب أو انتقاء غير عشوائي. ولكِنَّهُ انتِخاب لصِفات تحدُث وتحصُل عشوائي ا (مثل الطفرة).العشوائيَّة: هي التي تفتقر إلى المنطق والمعنى. لا يُعطي اعتباراً لخصائص معينة، بل هو اعتباطي.
الانتخاب الطبيعي يعمَل على تكيُّف الكائن الحيّ مع شروط وظروف بيئته – Adaptation .
الانتخاب الطبيعي لا يهتَمّ بالأفراد ولا بالنمط الظاهري الخارجي. بل يهتمّ بالمجموع وبالجينات الداخلية )حتّى يتم تمرير التغيرات المفيدة للأجيال(. فالانتخاب الطبيعي لا يشتغِل على الأجسام، بل على الخرائط الجينية.
رحلة البيغل
في رحلة البيغل، كان داروين فقط يسجِّل ملاحظات ومعلومات. ولكنَّه لم يستلهِم ولم يتوصل للنظرية أثناء الرحلة. ولم تكُن الملاحظات والمعلومات مرتبطة مع بعضها عندَه إلا بعدما عاد إلى بريطانيا وراجَعها.أثناء الرحلة، شاهَدَ داروين 69 نوعا من الخنافِس في منطقة واحِدة وفي وقت واحِد. وهُنا عبَّر داروين عن عظَمَة خطّة الله في تصميم الخلائق. إلى ذلك الوقت كان يؤمن بالمنظور الخلقي الديني.
وَجَدَ داروين خلال رحلته أحفورة هيكل عظمي ضخم لحيوان الآرماديلو الصغير الموجود حاليا.ً اسمُهُ العلمي: ماستيدون.
ثمَّ وجَدَ أحفورة هيكَل عظمي ضخم آخر لحيوان الكسلان الصغير الموجود حاليا،ً والذي يتسلق الشجر. ولكن الهيكل الضخم كانَ حيوان أرضي، واسمه العلمي: ميجاثيروم (البهضم). ثمَّ سُميَ بأمر من ريتشارد أوين ب: مايلودين دارويني. تخليداً لداروين.
كانَ داروين يبعث بكُلّ هذه الأحافير إلى رئيس المتحف الملكي للتاريخ الطبيعي: ريتشارد أوين. وكان أوين هو أول من صكَّ اسم ديناصور.
حتَّى ذلك الوقت لم يتساءل داروين عن دلالة تلك الأحافير.
بداية تساؤل داروين كانَ في الأرجنتين، عِ ندما علِمَ أن هُناك طيور رِيَا – Rhea صغيرة تعيش في الجنوب (في باتاغونيا) وطيور رِيا – Rhea كبيرة تعيش في الشمال. وسَجَّل في ملاحظاتِهِ هذا التساؤل: لِماذا؟ ولم يُجِب عليه.
في جُزُر الجالاباغوس – Galapagos رُبَّما استلهَمَ داروين الخُطَّة الأوَّلية لنظريَّتِهِ.
في هذه الجُزُر رأى داروين السلاحِف الضخمة. وأخبَرَهُ الحاكِم الإنجليزي للجُزُر أنَّهُ يستطِيع بمُجَرَّد النظر إلى واحِدة من هذه السلاحِف أن يعرف من أي جزيرة هي.
فالجُزُر الرطبة الخضراء تكُونُ فيها تُرُس السلاحِف مقوسة عادية، ورقابُها بأحجام عادية لأنها لا تحتاج أن تمُد رقابها للأعلى، بل تأكُل الحشائش القريبة على الأرض. أما الجُزُر الجافَّة المليئة بالصبَّار تكُونُ السلاحِف فيها ذات أعناق طويلة حتَّى تستطيع مدَّها لأكل نبات الصَّبَّار.
كُ لّ هذه الأحداث والمُشاهَدات، ألهَمَت داروين جداً. ولكنَّهُ إلى ذلك الوقت كانَ لا يزال مؤمن ا بنظريَّة الخلق المُستقِلّ .
مشاهدة الحلقات كاملة