باقى من الوقت

في الحديث عن ظاهرة المفكر "عدنان ابراهيم"

في الحديث عن ظاهرة المفكر "عدنان ابراهيم"


لا ندري لماذا ما زلنا نتخبط في تعريفنا لـ"الآخر" ، ونتخبط في عدم مقدرتنا على صياغة "فقه جديد" يرتكز بشكل كبير جداً على "الحرية" و "الإجتهاد" ، فطريقة "الفكر" و "الإستنباط" هي طرائق تختلف من شخص لآخر وعليه فإن كل شخص عليه أن يحترم كيف "يفكر" الآخر وكيف ينظر للأمور، ولكن للأسف الشديد فإننا كل يوم "نقتل" الحرية و "الإجتهاد" في النفوس ونفرض "إرهاباً" متعدد الألوان على كل من يتجرأ و "ينقض" القديم أو بعضاً منه ونفرض خطوطاً حمراء لا يجب تجاوزها أو المساس بها، والحق أن هذا كله تكلف "إرهابي" على العقل والمنطق الإسلامي، فحرية "الإجتهاد" مفتوحة على أوسع أبوابها بدون خطوط أو قيود من باب "من أصاب فله أجرين، ومن أخطأ فله أجر واحد".


الهزة التي أحدثها الدكتور المفكر عدنان إبراهيم في صفوف التيار الإسلامي عنيفة جداً، ذلك أنه حاول أن يعيد "للعقل" مكانته الطبيعية بجوار النص، وأن يعيد النظر في الكثير من الأحداث التاريخية التي شكلت "الوعي" الإسلامي لقرون من الزمن، وأن يسلط الضوء على كثير من التناقضات التي إعترت الفكر الإسلامي وكبلته ووقفت عائقاً أمام مسيرة التجديد والتطوير .


ولا أدري ما هي "المآخذ" التي يأخذها أعداء هذا المفكر عليه ، سواء من حيث الطرح أو من حيث المنهج، فالملامح الأساسية لمشروعه هي ملامح "المنهج الإسلامي" حقيقة، وهي الأسس التي يجب أن يرتكز عليها أي تصور إسلامي عقلاني وصحيح للحياة ولمشكلاتها، ومن أهم الخطوط العريضة للمشروع التجديدي الذي يطرحه الدكتور عدنان هي :


  1. ضرورة إعادة النظر في بعض "المواقف" و "الصفحات" في تاريخنا الإسلامي وإلقاء الضوء عليها وخاصة أنها أثرت على الوعي الإسلامي وعلى "الفقه السياسي الشرعي" منذ أكثر من ألف عام.
  2. ضرورة النظر أيضاً في الموروث الثقافي والشرعي وتمييز الصحيح من السقيم منه وخاصة فيما يتعلق بدائرة "الحديث الشريف"، ذلك أن بعض الأحاديث يكتنفها الغموض وتتعارض إما مع أسس العقل أو مع "التصور الإسلامي" العام للحياة.
  3. ضرورة "التعايش" بين طوائف المسلمين المختلفة، والنظر بشكل آخر لهذه الطوائف بعيداً عن "حزازيات" الطائفية، دون منع "النقد" و "المحاججة" و "المحاورة" وفق أسس صحيحة وسلمية.
  4. التركيز على مبدأ "الحرية" في كل المجالات الحياتية، وإعادة "الإعتبار" إليه، بعد قرون من التشويه والإستبداد.
  5. حل الكثير من مشكلات الحضارة الإنسانية كـ"الإلحاد" و "الإستبداد" و "والتخلف" و "الجهل" من وجهة نظر إسلامية عقلانية متماسكة جداً.



فأين هي "المآخذ" و "البدع" التي تكتنف تصور هذا الشخص ؟ وأين هي "الأفكار" التي أدت لإخراج هذا الرجل من الملة وفق تصورات بعض "الفقهاء" و "الكهنة" ؟


هل الموقف مثلاً من معاوية بن أبي سفيان يصلح كدليل على "نفاق" و "كفر" و "بدعية" الشخص ؟ وهل الدعوة لتجديد النظر في بعض الأحاديث أيضاً دلالة على شيء ما ؟ وهل من الممكن أن يحدد لنا أي شخص ما هي الأشياء التي تقبل الإجتهاد وتلك التي لا تقبل الإجتهاد ؟ 


إن الموقف "السلبي" من عدنان إبراهيم تشكل بشكل واضح من جزئية واحدة وهي موقفه من معاوية وبعض رفاق دربه، دون النظر لباقي "الإيجابيات" ومعالم التصور الصحيح الذي يصاحب منهجه، وهذا يعني شيئاً واحداً وهو أن هناك بعض المدارس الإسلامية تنظر للفرع لا للأصل وتمارس إرهاباً جماعياً على المفكرين والمجتهدين، وتشن حملات صاخبة لتكفيرهم وتبديعهم وتفسيقهم بحجج واهية وأحياناً بالخلط والتدليس وهذا تمثل في إتهام عدنان إبراهيم بأنه يقول "بتحريف القرآن" و "كفر عائشة" و أنه يطعن في البخاري ويمدح ياسر الحبيب، وهذا الأمر ليس غريباً على هذه المدرسة والتي سبق وأن كفرت الشيخ أحمد ديدات وإتهمته بأنه "قادياني" وقبل ذلك تم تكفير شيخ الإسلام بن تيمية وتفسيق الإمام ابن حزم وإتهم إمام الفقهاء أبو حنيفة بالإلحاد، فالحقيقة أن مصير "المصلحين" و "المجددين" في التاريخ الإسلامي مؤلم ويدعوا للحزن كثيراً، صحيح أن من سنن التاريخ أن يواجه المصلحين والأنبياء بردات فعل عنيفة جداً من المجتمعات التي يعيشون فيها، ولكن الأمر يجب أن يكون مختلفاً لدينا نحن المسلمين، ذلك أن الإسلام وضع تصورات مبدأية تضمن حرية الإجتهاد لكل من وصل وحقق الكفاية من العلم الشرعي، ولكن يبدوا أن "منابع" الإسلام الحقة قد تختلط بأدران "التصورات" البشرية الخاطئة كثيراً.


ولذلك -ورغم أني أختلف مع الشيخ عدنان ولي بعض الإنتقادات عليه-  فأنا أفتخر بظاهرة عدنان إبراهيم كثيراً، وأشعر بأنها "حلقة" من حلقات التجديد الحضاري وضرورة من ضروراته، وأنه يصلح كنموذج قوي للشباب في مجال "التفقه" و "التفلسف" الحقيقي، بعيداً عن النموذج التقليدي لنماذج العلماء والتي يقتصر علمها عادة على العلم الشرعي وحده دون النظر والتوسع في بقية العلوم الفلسفية والفكرية والثقافية الأخرى، والتي من شأنها أن تزيد من تفاعل "العقل" مع "النص" فتتولد عمليات متجددة من التجديد والتصورات الإسلامية لكافة المشكلات المتجددة.

عن المدون

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

أرشيف المدونة