باقى من الوقت

حب الأنثى بين الإستهلاكية والإنسانية

حب الأنثى بين الإستهلاكية والإنسانية

       في لغتنا العربية العامية يكثر جداً أن تشبه المرأة بالتفاحة، فالخدود تفاحة تغار من تفاحة أليس كذلك؟ الرجال يفعلونها كثيراً جداً جداً وباستمرار وإلى اليوم، أكثر من النساء، والتفاح معدّ للإلتهام! للأكل! هذا المنطق الإستهلاكي ليس منطقاً إنسانياً، وكل منطق إستهلاكي هو منطق تشيئي يحول الإنسان الذي هو كينونة وشخصية وفردانية، يحوله من فرد متوحد نسيج وحده إلى مجرد شيء، وبناءًا عليه فالشيء معد للإستهلاك، ولذلك كل نزعة إستهلاكية هي بدورها نزعة  تشيئية، وكل تشييء هو ضد إنسانية وأنسنة الإنسان، ويختلف معه ومعها على طول الخط، ومعنى كونه شخصية بوجه وبإسم وبحقوق وواجبات ومزايا وفرادات وخصائص وسمات وعلامات أنه سيرفض هذا المنطق رجلاً كان أيضاً أم إمرأة، وسيدخل في صراع مع مديره مع رئيسه مع شيخه، مع رئيس الجمهورية، مع زوجه ومع زوجته فليتحطم ما يتحطم لكن لن تتحطم فرادتي وإنسانيتي أبداً من أجل زوج غبي أو رئيس متسلط أو شيخ جامد متخلف رجعي، هذا من يدرك إنسانيته وشخصيته. يرى أنه لابد أن يبقى الإنسان، هذا ما يفهمه من إنسانيتيه.

        هذا المنطق الإستهلاكي التشيئي نسمع بحالات تدل عليه باستمرار، فسمعنا عن بعض هؤلاء المتخلفين من الوحوش البشرية للأسف الذين ينتمون إلى عالم العروبة والإسلام الذين تدخل زوجاتهم المشافي لأنهم يأكلون أبضاع - جزءاً من أزواجهم - ويظنون أن هذا رجولة وتعبير عن عرام جنسي، بينما هذا تعبير عن إنحطاط حيواني، وتخلف نرجسي طفولي. مثل هذا الرجل قد إستحال مسخاً، مُسخ إلى حيوان من حيث لا يشعر أو يشعر والأمر لا يعنيه لأنه مجرد حيوان ليس عنده معين إنساني يستمد منه ليرتقي به ويقوّم أفعاله. نسمع عن هذا ونقرأ عنه في المجلات العربية، وهو شيء محزن ونحن في القرن الحادي والعشرين.

        ومن أمثالنا العربية الشائعة، وكم سمعنا هذا آلاف المرات إذا طلق أحدهم زوجته أو طلقته هي أو ماتت أو حدث ما حدث يأتيه طبعاً من ذويه وأقربائه وأودائه من يقول له هن بالعشرات، ويعيبون عليه حزنه، ويتساءلون ما الذي حصل؟ لماذا أنت حزين؟ لماذا أنت تاعس وبائس وكئيب؟ النساء غيرها كثير نأتيك بعشرات. يتحدثون عن النساء مثلما يأتونك بعشرات الكتب مثلاً أو عشرات لفائف السجائر أو عشرات المناديل أو الأحذية عشرات! نأتيك بعشرات  غيرها، بل نأتيك بست ستها!!! مستحيل!، وهذا لا يكون منطق ولا حديث الإنسان الذي يعرف ما هي العلاقة الزوجية، وما هي الزوجة، وما هي المودة والرحمة التي خلقها الله وجعلها من آياته بين الزوجين، لأن من يعرف هذه المعاني النبيلة يعلم يقيناً أنه ليس على وجه الأرض من ستحل محلها.

      قد تأتي أخرى لكنها لن تحل محلها، النبي علمنا هذا، الذي أحب عائشة كثيراً وقربها كثيراً، وصرّح بهذا الحب، لكنه يصر أبداً حتى آخر يوم ونفس أن خديجة هي رقم واحد،  يقول صلى الله عليه وسلم: "لا والله ما أبدلني الله خيراً منها"، رغم أن خديجة إنتهت يا رسول الله صارت تراباً، وإنتهى كل شيء، يعني إنتهت العلاقة الجسمية بينكما. بغض النظر فإن الحب  ليس مجرد علاقة جنسية، والزوجية ليست علاقة جنس، بل هي أبعد من هذا بكثير حتى وإن ماتت خديجة من عشر بل من عشرين سنة، ستبقى خديجة على بال محمد وعلى ذكر منه يتذكرها باستمرار ويهفو إليها ويحب أيامها، ويودّ صديقاتها. تعلمون هذا الأحاديث مشهورة جداً، كأن يسمع باستئذان هالة أختها فيقول اللهم هالة، أي أسألك اللهم أن تجعلها هالة، لأنه يحب ويشم منها رائحة خديجة.

      هذا هو الحب وهذه الإنسانية، يفتح مكة بعد أن إنتهت الأمور قليلاً يأتي إلى قبرها الشريف ويضرب قبته هناك ويجلس يبكي يتذكر عهد خديجة. حقاً هو أعظم شخص في البشرية، هذا هو الحب لا أتحدث عن الوفاء إنتبهوا ليست القضية قضية وفاء. فيها الوفاء بلا شك، كما أنها ليست قضية أمانة على الميثاق الغليظ "وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً"، هل من يقرأ آية الميثاق الغليظ يقول أن النساء مثل الأحذية ويجرؤ على تشبيه المرأة بهذا القول أنها مثل الحذاء تنتعل حذاءاً ثم تنزعه وتنتعل حذاءاً آخر!، أو أن يقول أن المرأة مثل القميص قميص يُلبس وقميص يُنزع.

       يقولون لمن يحزن على فراق زوجته "ما في النساء غيرها، كثيرات غيرها - بالمال طبعاً -". وأسوأ ما يمكن أن يصل إليه الإنسان في تصور إلى هذه العلاقة الحميمة القدسية ذات البعد الإلهي - وسيأتيكم برهان هذا كتاباً وسنة - هو فهمه أو إعتقاده أو ظنه على أن عقد الزواج يعطي حق ملكية الزوجة أو ملكية الزوج فهو صك بالملكية. فمن ملك تصرف فيما يملك، ومن هنا أيضاً يتبرر لديهم أن يضرب الواحد منهم زوجته ضرب البعير ضرب الدواب! حتى أنهن أحيانا يمتن، وهذا ليس في العالم العربي فقط بل في العالم كله، يحدث أن تُضرب المرأة أحياناً حتى تموت أو تدخل المستشفى مكسرة مهيضة. 

      إنها حتى لو كانت حيواناً في ملكك لا ينبغي  لك هذا، لكنها إنساناً في ملكه وهو يرى أنه ينبغي له هذا بمقتضى العقد الإلهي!، العقد الذي وثق، وهل الله يعطيك هذا الحق. إذاً لا كان هذا العقد ولا كان هذا التوثيق, تجعلون الناس يشكون أصلاً في صدقية أن يكون العقد ممهوراً باسم الله تبارك وتعالى، االله هو الذي أعطاكم هذا الحق؟ متى؟ وأين؟ وكيف؟ من الذي أفهمكم هذا؟، كل هذا يتم باسم الدين وباسم العادات والأعراف والأخلاق والرجولة. كلام أقل ما يقال في حقه أنه فارغ.

عن المدون

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

أرشيف المدونة