باقى من الوقت

إلى الداهوم.. أي خدمة تسديها لمشروع عدنان؟

إلى الداهوم.. أي خدمة تسديها لمشروع عدنان؟

لعل من أبرز المتصدّين لدعوة الدكتور عدنان إبراهيم التنويرية، إن لم يكن أبرزهم على الإطلاق، هو الشيخ الكويتي الفتي محمد الداهوم متـّعنا الله بطول بقائه المفيد. وأقول فتي ليس لأنه في الثلاثينات من عمره فـ "قد يوجد الحلم في الشبان والشيب" كما يقول المتنبي رحمه الله، إنما أقصد بهذه الصفة الطراوة وعدم النضج.

ولأني أكبر الداهوم بنحو عقدين، أجد لزاما علي أن أنفعه بكلمتين كما أراد هو نفعي بسلسلة ردوده على الدكتور عدنان إبراهيم الذي يتوسط عُمرَينا تقريبا.

وأقول للشيخ الكويتي، ممحضا النصح مخلصا، إنك إن شئت حقا أن تتصدى لتيار عدنان الجارف أن تبادر "الآن الآن وليس غدا" إلى إيقاف هذه السلسلة من الردود لأنك "كناطح صخرة يوما ليوهنها …" ولا أريد أن أمضي في بيت الأعشى الخالد إلى نهايته تجنبا للإساءة التي ليست من ديدني.

ولو أنك إستبنت "النصح قبل ضحى الغد" لأسديت فضلا كبيرا لنفسك وللمذهب الذي نشأت عليه وسلمته مقادير أمورك "من هام إلى قدم". لست أدري بالضبط "ولا المنجم يدري" ملامح من يقف وراء مشروعك العقيم هذا، لكن إنْ كان الواقف وراءه مؤسسة دينية كلفتك بهذه المهمة المستحيلة أو فلنقل الشاقة، فمن حقها عليك شرعا وعرفا أن تصارحها بوصول المشروع إلى الطريق المسدودة التي لم تعد تفضي إلى النتيجة المرتجاة منها.

وسأذهب إلى أبعد من ذلك فأقول إن عنبكم هذا تجمعه سلال غيركم وهذا ما لا أظنكم تبتغون. هل أجريت مسحا -ولو عابرا - لمئات الشباب الذين لم يكونوا يعرفون بالشيخ عدنان، فأوصلتم إليهم أفكاره دون عناء؟ بالضبط كما فعل إخوتنا السعوديون مع الشيخ حسن المالكي … وهاهم المئات الذين إبتدأوا مشروعهم منصتين بخشوع لردودكم بدأوا يمخرون العباب إلى الضفة الأخرى التي لا تريدون. وهل تتصور اِضرارا بتياركم الفكري أسوأ من هذا الإضرار.

أقولها لك بصراحة الرفيق الشفيق إنك لو جمعت علمك إلى جانب علم الشيخ عثمان الخميس وضاعفت ذلك أضعافا مضاعفة لما تمكنتم من مجاراة أضعف محاضرة من محاضرات الدكتور عدنان. ليس لأنكم ينقصكم الإخلاص والاندفاع، أبدا، فإني لا أشك بإخلاصكم وإندفاعكم طرفة عين، مصيبتكم تكمن في عاملَين ضن الله بهما عليكم، من حيث أغدقهما على عدنان، وأعني بهما قدرة ساحرة على التعبير وخزين معرفي هائل يتدفق لدعم تلك الملَكة.

فهل لكما حظ في ذلك أو في جزء من ذلك؟ أنتما أعرف بالجواب. ولكي لا أجانب الحقيقة أجد لزاما علي أن أذكر شبها أو شِبهَ شبهٍ بينكما، وهو أنك تُبدي حرصا فائقا على أناقتك فتعدّل يشماغك بين الحين والأخر، فيما يراقب عدنان حركة الزمن من خلال ساعته اليدوية مذعورا من ضيق الوقت لأن ما في صدره يضيق به الزمن المحدد له.

وفيما عدا ذلك فإن الفرق بين ما يقول وتقولون ويرى وترون فاحش للغاية، وهو العلامة الفارقة بين مدرستين واحدة تريد أن تخاطب عقولا واعية نشأت وترعرعت في زمن الآيباد والآيبود، وأخرى تفترض أن هذه العقول ما زالت تـُسيّر بريموت التضليل والتنطع والتحدث بـ " إبن عم الكلام ". أقول شتان ما بين مدرستين في الخطاب، فأنت - يا شيخنا الجليل - وبطانتك لا تعدون كونكم موظفين يُملى عليكم فتقولون، وتكلفون فتؤدون لصالح مؤسسات تجلس على براميل نفط الشعوب، أما الآخر فهو متحرر بالكامل من هذا القفص الكهنوتي البهيم، وهو يقول ما يعتقده حاجة ملحة لتوعية أبناء جيله وأبناء أبناء جيله، ولا يخدش في نزاهته أبدا أنْ أثرتم وتثيرون حوله الشبهات، وإن كان لديكم ما يعزز تهمكم الجاهزة فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، ولا أراكم فاعلين.

أما أن توزع التهم ذات اليمين وذات الشمال فهو عملية يقدر عليها في زماننا هذا أدنى عاجز لا يولي ضميره الإنساني أدنى حرمة. تريدون أن تقنعوا جمهورا "مفتحا باللبن" بأن الدكتور عدنان يترحم على جميع أئمة الشيعة من الأولين والآخرين، وإنه يتهم جميع رموز أهل السنة والجماعة من الأولين والآخرين. وتريدون من هذا الجمهور الذي ظننتموه مغفلا أن يصدق أقوالكم التي لا تستند إلى حجة ولا تقوم على دليل. وتأتي ثالثة الأثافي لتثبتوا للملأ من قومكم أن الدكتور عدنان أثبت ضلاله المبين عندما زل لسانه وقال إنه ينتظر خروج المهدي.

وظهرتم وكأنكم مسكتموه بالجرم المشهود بكشفه حقيقة كان يتستر عليها بممارسة التقية الشيعية. ففي أي ضلال أنتم تعمهون !!! أخي الكريم … دينكم بقضه وقضيضه خطفه التطرف القمىء الذي حوّلَ المُسلمَ المسالمَ في نظر العالم إلى مجرد قنبلة مفخخة تمشي على قدمين بانتظار من يفجرها وسط الأبرياء، فيما أنتم جندتم وتجندون كل ما أوتيتم من طاقات لخوض معركة خاسرة سلفا في مواجهة دعوة شخص تعلمون علم اليقين بأنه يؤمن بأن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله.

إنني - ومعي شريحة عريضة من المسلمين - لا أفهم سر هذا التهالك المقيت على الدفاع عن شخصيات قبحت وجه التاريخ الاسلامي وأورثتنا كل هذه القساوة والعنف، وبدلا عن أن تبادروا - أنتم سدنة الدين - لسحل هذه الشخصيات المشوهة إلى محكمة التاريخ وإعلان البراءة منها لإظهار الوجه الحقيقي للإسلام المحمدي الأصيل، راح واحدكم يرعد ويزبد ويبسمل ألفا ويحوقل ألفا لإثبات براءة عصابة دخلت الإسلام وهي تبيّتُ من يومها الأول مهمة الإيقاع بأشرف رسالة سماوية.

هل تعلم - يا أخي في الله أبا فوزي - أن ردودكم هذه على الدكتور عدنان جعلت المتابعين يستحضرون - وهم يتابعون هذا المناظرات - معسكرَ الإمام علي عليه السلام بكل ما فيه من صدق وفضيلة، ومعسكر المنافق معاوية بن أبي سفيان بكل ما فيه من مكر ورذيلة. وأنت أعرف مني من منكما يمثل في نظر المتابعين معسكرَ عليّ وأهل بيته، ومن منكما يمثل معسكرَ معاوية وجلاوزته.

هل تعلم أن الطلب على قراءة المصادر التي يذكر أسماءها الدكتور عدنان في ردوده على شبهاتكم تضاعف بشكل درامي؟ هل تعلم أن البحث في حقيقة الأشخاص الذين يذكرهم الدكتور عدنان في ردوده عليكم سجل أرقاما قياسية؟

هل تعلم كم مقدسا زائفا إنهار في "شبهات وردود" ؟ فأي منقلب أركستم أنفسكم فيه؟ وأي بوابات للجحيم فتحتم على أنفسكم مصاريعها؟ أتمنى عليك ومن إنضم إلى شلتك -إن كنت حريصا على ما ومَن تدافع عنه - أن تضع اليوم حدا لهذه الملهاة التي أظهرت تخلفكم عن الركب باشواط بعيدة.

باختصار شديد، لستَ ولستم كفؤا لهذا الرجل، فادعو شركاءكم لعل فيهم رجلا رشيدا يكون كفؤاً لعدنان، فهو فرد وأنتم مجموع. أدعوك - مخلصا - أن تبادر على الفور إلى تقديم الإعتذار عن وجبة التجهيل المتعمد التي قدمتموها لجمهور تظنونه رهطا من الإمعات وتتعاملون معه بمنطق القرون الوسطى وهو مولود في زمن "ستيف جوبز" أنزل الله على قبره شآبيب رحمته.

ولا أخفيك أن الفرق فاحش جدا في الموقفين، فأنت تجلس وخلفك رفوف من الكتب المرصوفة بدقة والتي لا يبدو أن يدا كريمة مسّتها منذ حين، فيما يجلس الآخر وأمامه أمهات كتب الفقه والتاريخ والحديث الشريف التي أفترض أنها مقبولة لديك، وقد عُبئت بالقصاصات والملاحظات والهوامش. وشتان، بين من أعطى ظهره لمكتبة، وآخر يتعامل مع مصادر المعرفة كما يتعامل مع أولاده تحننا منه ورأفة.

باختصار هذا هو الفرق بين عصبة سارت على "وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون"، وباحث متمرد على ما أسميتموه خطوطا حمراء، لم يعد يغريه سيرة منبوذ لـمّعته أروقة الدولة الأموية ومؤرخوها ووعاظ السلاطين. وليس قولكم "صعلوك" هذا بضائره، لأنكم قبل هذا وصفتموه بالنكرة ثم كشفتم للناس أحاديث أرشيفية تعكس مدى إهتمامكم بما قال ويقول.

فكيف لنكرة أن يحظى بكل هذا الإهتمام؟ أما حديث الصعلوك الذي لا أخذه على محمل الجد كثيرا، فيذكرني برئيس وزراء بلد شرق أوسطي كبير أمضى نحو عقد ونصف رئيسا لحكومة بلاده، عندما بلغه أن رجل دين مغمورا يسعى الى إطاحة نظام بلده الملكي العريق، رد بزهو طاووس: "نحن لا نتعامل مع صعاليك "، ثم إنتقل بعدها إلى مزبلة التاريخ وجثته ممزقة برصاص العدل، وهو المصير الذي لا أتمناه حتى لأعدائي. 

ختاما، أخي أبا فوزي … أفهم أنك في مقتبل العمر وأفترض أن الكثير من الفرص ما زالت أمامك لإجراء عملية جرد عميق لأفكارك الدايناصورية، لكنني - وأقولها بمرارة - أن الدهر لا يؤتمن على شيء والحداثة في العمر ليست ضمانة أبدا للبقاء على قيد الحياة لدقيقة بل حتى لثانية أخرى.

لا أريد أن أكون كناقل التمر إلى هجر فاجلدك - وأنت الخطيب المفوه  - بخطبة عصماء كما تفعل مع جمهورك الكريم، لكنني أنطلق من "إنما الدين النصيحة " فأقول إن فرصك في الحياة مساوية لفرص أي شيخ طاعن في السن، كل جارحة وجانحة منه تشكو من علة، فـ " كَمْ مِنْ عليلٍ قد تخطّاه الردى … فنجا وماتَ طبيبُه والعُوّدُ ".

فاغتنمْ هذه الفرصة التي لا أحد يستطيع أن يحزر مدى طولها، لتعلن أمام الملأ ولاءك للحق، للحق فقط. ولا تغرينك أسماء ظننتها كبيرة، فهي لن تغنيك شيئا يوم الفزع الأكبر يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين، الذين لا أريدك لك أن تكون في صفهم يومئذ.

مقال للكاتب حميد آل جوبير

عن المدون

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

أرشيف المدونة