باقى من الوقت

تلخيص سلسلة نظرية التطور - الحلقة: 21

تلخيص سلسلة نظرية التطور - الحلقة: 21

الحلقة: الواحدة والعشرون - بعنوان: تطور الطيور من الزواحف

تختلف البرمائيات عن الزواحف في كثير من الأمور، منها:
   .1 أنها ممكن أن تتنفس عبر جلودها، فجلودها رقيقة تسمح بامتصاص الماء.
   .2 تضع بيوضها في الماء لأنها ليس لها أغشية قويَّة.



يعترض الخلقويُّون على تطور الطيور من الزواحف بأنَّ هذه العملية تحتاج إلى مراكمات كثيرة جداً من التغيرات التي ستُوصِل إلى القدرة على الطيران. والسؤال هُو: لِماذا يُراكم الإنتخاب الطبيعي كل هذه التغيُّرات (الغير مفيدة وحدَها) لكي يطير الكائِن؟

الجَواب على هذا السُّؤال هُو: أنَّ هذه التغيرات قد تُفيد في وظائف أخرى مبدئيا غير الطيران. كما أن هُناك حتى الآن حالات مختلفة لكائنات تُمارس وظيفة قريبة من الطيران، وهي وظيفة الإنزلاق الهوائي Gliding . مِثل: حيوان الكُولوجو، والسنجاب الطائر.



في عام 1860 إكتُشِف الطائر العتيق "آركيوبتركس" وإعتُقِد أنهُ أوَّل طائِر أو الحلقة الوسيطة بين الطيور والزواحف. ولكنَّهُ بعد البحث تبيَّن أنَّهُ أقرب للزواحِف منه للطيور، على الرغم من ترجيح العُلماء أنَّهُ كانَ يطير بشكل بدائي.



في سبعينيات القرن العشرين، سال سيل الحلقات الوسيطة بين الزواحف والطيور. واكتُشِف معظمُها في الصين. ومن الأمثلة على هذه الحفريات المُكتشفة:

  • أحافير للديناصورات الرشيقة ثنائية الأطراف. جِلدها مغطَّى بالريش (السحليَّة الصينية).
  • أحفورة ديناصور رباعي الأجنحة. ذراعاهُ ورِجلاهُ مَريشَتَان.
  • أحفورة ديناصور متحجر وهو نائِم ورأسُهُ تحت ذِراعِهِ – وهذه نومة الطيور.
  • أحفورة ديناصورة أنثى ترقد على بيوضِها بطريقة الطيور.

وكُل هذه الأحافير وُجِدَت في الفترة الزمنية المطلوبة لوجُود الحلقات الوسيطة.

رجَّحَ العُلماء أن الطائر العتيق وكُل الأحافير والمُتحجرات المُكتشفة في الصين، هي كُلها قرابات – أولاد عمومة. ويجمعها سلف مُشترك.

وهذا تحدٍّ جديد. فيجب العثور على ديناصور مَريش، ويكون أقدَم من الطائر العتيق، فيكون سلفا لهُ ولقراباتِهِ.

لمشاهدة الحلقة كاملة:


تلخيص سلسلة نظرية التطور - الحلقة: 19 - 20

تلخيص سلسلة نظرية التطور - الحلقة: 19 - 20

الحلقة: التاسعة عشرة والعشرون - بعنوان: حلقات لم تعد مفقودة

الحلقات الوسيطة (المفقودة) كانت تُمثل تحديا لداروين بسبب نقص السجِّل الأحفوري في أيامه.

السجل الأحفوري الآن يشمل على أكثر من ربع مليون أحفورة لأنواع مختلفة.
(وحتَّى هذا العدد بالنسبة للأنواع التي عاشَت على الكَوكَب هو لا يُساوي كثير اً!).



على عكس ما هُوَ شائِّع، فإنَّهُ من النَّادر أن يتحَفَّر كائنٌ ما. لذلك، فإنَّ النقص الموجود في السجل الأحفوري هُو نقص مبرَّر.

هُناكَ إجماع على أنَّ كُلَّ الكائنات البريَّة تطوَّرَت عن البحريَّة من أسماك وغيرها.
أسماك بحريَّة ← برمائيات ← زواحِّف ← ثدييات وطيور.



قبل ستمئَة مليون سنَة، ظهَرَت كائنات بسيطة عديدة الخلايا. مِّثل: الإسفنج وقناديل البحر ودود الأرض. ثُمَّ أخذت هذه الكائنات بعد ذلك في الإستنواع، فظَهَر منها بعد ملايين السنين: النباتات الأرضيَّة ورباعيات الأطراف.

مِّن أبكَر الكائنات التي ظهَرَت بعد الكائنات البسيطة هِّيَ: الأسماك فَصيَّة الزَّعانِّف.
طبعا هُناك قسمَين من الأسماك: فصيَّة الزعانف، وهي أصل الأسماك. وقد إنقَرَضَت. ثمَّ حلَّ محلها القِّسم الثاني وَهُوَ: الأسماك شُعاعِّيَّة الزعانِّف. كالموجودة حاليَّا.ً



بعد ذلك ب 15 مليون سنَة، نجِّد أوَّل البرمائيات الحقيقيَّة. وبعد ذلك ب 15 مليون سنة نجِّد أوَّل الزواحِّف. وتتفرَّع الزواحِّف إلى ثدييات، وبعدَ ظهور الثدييات ب 3050 مليون سنة تظهَر الطيور، وهي الفرع الثاني من الزواحِّف.



هذه الفكرة العامَّة للسجل التطوُّري سوف تُمَكنُنا من قراءة طبقات الأرض والسجل الأحفوري.


كيف تطورت الأسماك إلى أول برمائيات؟

في عام 2004، كشَف عالِّم الإحاثَة المتخصص بتشريح الأسماك "نيل شوبِّن" عن الحفريَّة التي تُمَث للحلقة المتو سطة بين الأسماك والبرمائيات في ملحمة علمية مثيرة. وقد كَتَب عنها في كِّتابِّهِّ: السمَكَة بداخِّلِّك.



قبل زهاء 400 مليون سنة، كانت الأسماك هيَ الفقاريات الوحيدة على الكَوكَب. بعد ذلك، وقبل 360 مليون سنة، ظهرَت رباعيات الأطراف، وهيَ كائنات فقاريَّة خرجَت من الماء إلى اليابسَة. فكانَت هيَ أوَّل البرمائيَّات.

بعد 5 سنوات من البحث في مناطق الإسكيمو، إكتشَفَ الفريق البحثي مع الدكتور نيل شوبِّن حفرية أوَّل برمائي بعد الأسماك فصيَّة الزعانِّف. وتم تسمية هذه الحفرية الفريدة: تِّكتاليك روزيا – Tiktaalik Roseae



 مشاهدة الحلقات كاملة:

"الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله "

"الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله "

أقدار الله لا تخلو من حكمة، اليوم تتجه قلوب المحبين إلى القبلة الأولى فلسطين بيت المقدس حيث ولد الإمام عدنان إبراهيم وإن كانت الشمس اليوم تشرق من النمسا، وما تركنا قبلتنا الأولى وإن كان السفهاء يقولون : "ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب ".

لقد تعرفت على الشيخ عدنان في سن مبكرة وإن كانت السن متقاربة لكني ما عرفته إلا كبيرا منذ بداياته فقد ولد كبيرا، كبيرا في عطائه كبيرا في مشاعره وحبه، تعلمت منه أشياء كثيرة لكن الأبرز في ذلك تعلمت منه أن يكون لك قلب كبير قبل أن يكون لك علم كثير قلب يتسع للجميع حتى للمخالفين والمناوئين وهذا هو قلب نبينا محمد _صلى الله عليه وسلم _ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين.

لقد لبّى الشيخ نداء الأئمة العظام في صبره وجلده على البلاء، قال أبو حنيفة رحمه الله : لا يكون الشيخ شيخا عندي حتى يرمى بالكفر والزندقة وكما قال الإمام علي _رضي الله عنه _ من علامة فقه الرجل إختلاف الناس فيه .

واليوم وقد شب عمرو عن الطوق ونضجت الفكرة واكتملت النعمة تتحدد معالم طريق جديد وفكر سديد ورؤية هادفة تصحح فيها مسائل النقل ومدارك العقل، يأتي هنا عدنان إبراهيم ليتمم مسيرة الخير والإصلاح التي مر عليها أكثر من مائة سنة . لقد جاء الشيخ الأفغاني وركز في إصلاحه على إصلاح الأمراء بينما خص تلميذه الشيخ الامام محمد عبده الإصلاح باصلاح النخب والعلماء وسار على نهجه محمد رشيد رضا والشيخ محمد الغزالي وآخرون وجاء الشيخ حسن البنا ليخاطب الفقراء والعامة، ولا ننسى جهود المدارس الأخرى التي كان لها الأثر الكبير مثل حزب التحرير وجماعة الدعوة والتبليغ ولقاء المؤمنين وغيرها وظلت هذه المحاولات الصادقة تحتاج إلى جهود أخرى بإصلاح مناهجها من الداخل والإستماع إلى نصح العلماء، إن بعض المدارس ظلت عاكفة على نفسها وخلعت على أقوال علمائها أثواب القداسة والعصمة وفاحت رائحة التعصب من سلوك أفرادها .

الشيخ عدنان إبراهيم نجح حيث أخفق الآخرون في نقد الرواية التاريخية وعلاوة على ذلك إستطاع أن يجمع بين مدرستين طالت الفرقة بينهما مدرسة الفقهاء ومدرسة التصوف، فالرجل يخاطب الروح ويصلح النفس ويصحح مسيرة العقل ويلهب العاطفة ويطهر الجوارح ويزكي الفؤاد.

أما جمعه بين الأصالة والمعاصرة فميزته اللائحة التي لا تخطئها العين، بشهادة الثقات الأثبات في الميدانين كليهما، ما يرشح خطابه ليكون خطاب العصر الوافي بمقتضياته المستجيب لتحدياته .

لقد كان له نصيب من إسمه فعدنان جد النبي العدنان و إليه ينتهي الجد الأكبر للمصطفى _ صلى الله عليه وسلم _ وأما إبراهيم فأمة، وأرى أن الرجل جمع له من إسمه بركة النبي _صلى الله عليه وسلم _ وبركة فهم الأمة حتى غدا نسيج وحدِه.

لقد جاءت رسائل الشيخ عدنان مواكبة للربيع العربي الذي نعيشه اليوم فكأنها جاءت على قدر فأمتنا اليوم التي تثور سياسياً على ملك عضوض متوارث لبعض الطغاة الذين تورثوا الحكم ورغبوا في توريثه لأولادهم من بعدهم، أمتنا اليوم تحتاج إلى إنتفاضة علمية دينية لآ يصلح لها إلا أمثال الشيخ عدنان إبراهيم لنكون منصفين مع تاريخنا وديننا.

لقد فهمنا ثورة الحسين الذي ثار على التوريث متأخرين فهمناها بعد أربعة عشر قرناً والأمة اليوم على أعتاب عصر جديد وعلى موعد مع فجر جديد ..

إنه ليقدر لهذا الفكر أن ينتصر وهو منصور بإذن الله ـ و الشيخ من معسكر النصيرات ؟ ـ سيكون أقصر الطرق لإجتماع فرقة المسلمين ووحدة مذاهبهم والتفافهم على كلمة التقوى وتوحدهم على راية واحدة وأهداف واضحة.

لقد سعدت بالكلمات الدافئة التي سمعتها من الدكتور الإدريسي من المغرب في حق الشيخ عدنان وأنا صاحب عمامة أزهرية أثني على الرجل بما فيه وبما عرفنا وأعلم أن هذا المنبر العدناني سيجمع شتات المسلمين من المغرب إلى فلسطين ومن جميع المدارس والمذاهب والألوان والأطياف ليكون منبر الأمة لرجل بأمة.

إننا ننتظر المزيد من الشيخ عدنان إبراهيم ليصوب القافلة، ويوجه النظر، ولازال في الجعبة الكثير وآمل أن يتواصل هذا الجهد الكبير في نقد المذاهب الأخرى وبخاصة الرواية التاريخية لمذهب إخواننا الشيعة لنقف على الحقائق ونعيشها ونتخلص من شبح الأوهام وأن ننهي هذه الدراسات بخلاصة يتبلور من خلالها نظرية دعوية تقود الجيل المؤمن إلى وحدة إسلامية يظهر فيها التعاون ويختفي فيها العداء ويتحقق فيها قوله تعالى : " وتعاونوا"، " واعتصموا"، و"أن هذه أمتكم أمةٌ واحدة".

إن كلمتنا ليست من قبيل المدح ولا هي من باب الذوق الإجتماعي والعلاقات الخاصة فالشيخ عدنان أكبر من ذلك وإنما تأتي من باب الإنتصار للحقيقة والتعاون على بيانها وإظهارها .

لقد تعلمت في الأزهر الشريف ـ قلعة العلم والعلماءـ والأزهر يتبنى مشروعاً كبيراً وهو بيان الدخيل في التفسير، ويعكف الأزهر وتلامذته على هذا المشروع منذ سنوات ولازالوا، فالأزهرالشريف لا يترك تفسيرا قديما ولا حديثا إلا وتصدى لبيان الدخيل فيه بتحقيقات علمية ودراسات موثقة ورسائل ممنهجة، وما ذلك إلا لعلمهم بخطورة الدخيل على عقائد المسلمين وثقافتهم.

إن مشروع بيان الدخيل يتماشى بصورة كبيرة مع نقد الرواية التاريخية الذي أفلح وأجاد فيه الدكتور عدنان إبراهيم، وأنا على يقين أن جهوداً كبيرة ورائعة ستنتقم لهذا المنبر الصالح لتنظيم حبات اللؤلؤ، في خيط مسبحة الشيخ عدنان ولتكتمل المسبحة في كل يوم بلؤلؤة جديدة من هذا العالم المسلم.

قد تحمل الأيام القادمة الكثير من التعب لكنها تحمل بإذن الله الخير الكثير، فهيئوا أنفسكم لتكونوا صادقين مع الله الذي خلق الحية وخلق الحمامة خلق الشر وخلق الخير، أما طيب السمعة و حسن الذكر المُؤذِن برضا الله و جميل توفيقه ـ وألسنة الخلق أقلام الحق ـ فتتهيأ للمؤمن هبة ممنوحة كعاجل بشرى ومُقدَّمِ جزاء دونما سعي منه ولا إلتفات.

ألا سلام على عدنان في حياته وفي مماته ويوم يقوم الأشهاد..

بقلم فضيلة الشيخ الدكتور عماد حمتو

الدكتور العلامة عدنان إبراهيم قامة إستثنائية

الدكتور العلامة عدنان إبراهيم قامة إستثنائية

قال الله سبحانه "قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو ٱلاْلْبَـٰبِ" وعلى هذه الآية تعليق جميل من سيد قطب حيث قال (فالعلم الحق هو المعرفة. هو إدراك الحق. هو تفتح البصيرة. هو الإتصال بالحقائق الثابتة في هذا الوجود. وليس العلم هو المعلومات المفردة المنقطعة التي تزحم الذهن، ولا تؤدي إلى حقائق الكون الكبرى، ولا تمتد وراء الظاهر المحسوس. وهذا هو الطريق إلى العلم الحقيقي والمعرفة المستنيرة.. هذا هو.. القنوت لله. وحساسية القلب، واستشعار الحذر من الآخرة، والتطلع إلى رحمة الله وفضله، ومراقبة الله هذه المراقبة الواجفة الخاشعة.. هذا هو الطريق، ومن ثم يدرك اللب ويعرف، وينتفع بما يرى وما يسمع وما يجرب، وينتهي إلى الحقائق الكبرى الثابتة من وراء المشاهدات والتجارب الصغيرة. فأما الذين يقفون عند حدود التجارب المفردة، والمشاهدات الظاهرة، فهم جامعو معلومات وليسوا بالعلماء). 

إن من منن الله علينا التي لا تحصى ولا تعد أن جعل لنا عقولا نُدرك بها سقيم القول وعقيمه، وصحيحه وسليمه، وجعل العقل ملتزما للإيمان والعقيدة بلا تضاد أو تناقض، إلا أن يسير في غير محله أو طريقه الصحيح فيبعد عن طريقه ورشاده ويضل ضلالا مبينا. وكما أن الله من علينا بنعمة العقل، فقد من علينا بمن يبعثه ويرشد إليه ويقوده للحق وللحق يخضع، دونما إبطال أو تبطيل أو إسفاف وتضليل . 

وإن مما جاد به زماننا علينا وفضل الله يؤتيه من يشاء أن كان من بيننا وفي عصرنا الدكتور العلامة : عدنان إبراهيم. ذو العلم الوافر والمنطق الساحر، تتلقاه العلوم بأفيائها، وتستجلبه المعارف بأطيافها، العلم حشو ثيابه، والأدب ملء إهابه، قد جمع الحفظ الغزير، والفهم الصحيح، والأدب القوي القويم، فنهض من العقول بما أماتته السنون أو رسن فيها عبث المقلدين ورواسب المخذولين، فكان نهجا آخر واستثناءا فاخرا، فأجزل وأوفى ونصح وكفى. 

ورد في الأدب المفرد للبخاري عن أبي هريرة مرفوعا ( لا يشكر الله من لا يشكر الناس )، ومن حقه علينا الشكر، ورد جميله وعرفانه. فلو سكت عنه الشاكر، لنطقت المآثر، لم أدارسه ولم أحظ بشرف لقائه، لكن كلامي لم يكن بشيء قيل عنه فَطِرتُ به، لقد شهدت شواهد حاله، على صدق مقاله. سمعت جُل ما تكلم به وألقاه إن لم يكن جميعه، والحق يُقال والشهادة لله أنه مذهل في فنه، قوي في طريقته، بليغ الحجة، آخذ بالحق ومتبع للدليل، لا يتقوُل مفتريا، ولا يتأول مجتريا، وليس في تصرفه هوى أو نفاق أو تدليس، وفوق هذا كله محمود السيرة طيب الخُلق مُهنأ القول. 

لا يمكن لأحد أن يقطع لإنسان بالكمال التام أو يجزم بذلك فالكمال لله وحده، فما لأحد خُلق بشريا ثم لا يكون في أدائه قصور أو خطأ وتلك سنة بشرية، وذلك شامل للدكتورالعلامة: عدنان إبراهيم، لكن لا يحملنا أن نجد الخطأ على أن نُلغي بركات علمه وبحور حسناته، ولا يحملنا الضد على الإجتراء بالإثم والإفتراء والكذب والتزوير، وللأسف الشديد المُخجل المبكي أن الدكتور العلامة بُلي بخصوم أعانهم المولى على أنفسهم ثم أعانه على بلواهم كأن الحق ما فهموه وما علموه وما كانوا يجهلونه فهو ليس دون منزلة المحرم فالجاهل عدو ما يجهل تأكيدا، فلو كانوا متجردين منصفين لرأينا نقاشا علميا رزينا تتباين أوجه الحق فيه وتتضافر الأدلة وتنكشف شُبه ودلالات، لكن الخصومة حينما يغالبها إستكبار وعدم تمحيص وبحث تصبح ضربا من الهوى والظلم الذي لا يُفضي إلى حجة قاصدة أو نية صدق آصله، والله يفرق بين عباده يوم يقوم الأشهاد . 

ثم إن من حُسن الخصومة كما نُدرك ونعقل أن تكون لذات الشُبهة أو الحجة، بالدليل والبرهان، والنقاش والبحث المتين، والقراءة والإطلاع والإحاطة، لا الهوى والإتهام المُبطن وسوء الظن والرمي بالتعنيف والبهتان والإفتراء والتزوير والألقاب المشينة التي تُنبيء عن ضعف وجهل وقلة حيلة. 

لا يعنينا أمر الخصومة بقدر ما نرى وضوح الدليل أو تأصيل المسألة أو إرشاد لحجة بينة أو دفع لباطل مشؤوم، وما أظن أن رجلا يتبع الدليل ويقرن أقواله بشواهد جلية وحجج فالجة بيضاء واضحة بعاجز عن دفع شُبه وجهالات خصومه إن لم تكن سخافات، لكن الناس مقامات وأطوار، وعلو ومكانة وإقتدار، فالعمل الدؤوب والإنشغال بالنافع المفيد أجدر أن يكون وخير من عوارض سقيمة لا تزيد الجاهل إلا تطاولا، ولا تزيد السفيه إلا سخفا، فالبعد عن مثل هذه المواطن المُدرة للحقد والضغينة أولى وأفضل.

الدكتور العلامة عدنان إبراهيم أشهد له بعقلية فذه قَل أن ترى مثلها، وعلم وذاكرة جبارة هائلة ندر أن تكون في غيره، وبحث وعلم وإطلاع واسع، وفوق هذا يتمتع باستقلالية في رأيه وحرية في فهمه، فجمع علما وعقلا ترأز لهما عقول المريدين والمنتهلين منه، فإن الناس أطباع وألوان ومشارب في قبولهم للحق من لم يرد الدليل دحضه العقل والعكس، وهما صفتان حباهما الله للدكتور العلامة زاده الله من فضله وأسبغ عليه من نعمه، ولديه من الصفات التي أجزم أنها من طبعه لكنني لا أتكلم عنها للزوم أن أكون ملازما له حتى أشهد بذلك، وإن كان أمرا لاجل التيقن اليقيني ولا يضره أن تركتها فالناس شهود حوله، مناقب تشدخ في جبينها غرة الصباح، ويتهادى أنباءها وفود الرياح. 

إن من الخطأ البين والجور العظيم والظلم المبين أن يُشنّع على الدكتور العلامة لأجل إختلاف يطرأ في فهم النصوص أو تأويل المقصود أو عدم فهم الأشكال ، ثم لا يكون من الأمر إلا أن يُرمى بالتهم السمجة الباطلة التي تهوي بقائلها عقلا ومنزلة. لا يستقيم فهم في الأذهان أن نعتمد على الظن مواجهة لليقين أو تصدير حكم هو منه براء، أو تسويغ قول هو له منكر، أو إجتزاء رأي هو له مكمل، وما أجمل وأروع ما قاله الشيخ العلامة الدكتور الرباني بكر ابو زيد رحمه الله في كتابه ( تصنيف الناس بين الظن واليقين ).

حيث قال : ( وإذا علمت فشوّ ظاهرة التصنيف الغلابة، وأن إطفاءها واجب، فاعلم أن المحترفين لها سلكوا لتنفيذها طرقا منها: إنك ترى الجراح القصاب كلما مر على ملأ من الدعاة إختار منهم (ذبيحا) فرماه بقذيفة من هذه الألقاب المرة تمرق من فمه مروق السهم من الرمية، ثم يرميه في الطريق ويقول: أميطوا الأذى عن الطريق فإن ذلك من شعب الإيمان!! وترى دأبه التربص والترصد: عين للترقب وأذن للتجسس، كل هذا للتحريش وإشعال نار الفتن بالصالحين وغيرهم. وترى هذا "الرمز البغيض" مهموما بمحاصرة الدعاة بسلسلة طويل ذرعها، رديء متنها، تجر أثقالا من الألقاب المنفرة والتهم الفاجرة، ليسلكهم في قطار أهل الأهواء، وضلال أهل القبلة، وجعلهم وقود بلبلة وحطب اضطراب!! وبالجملة فهذا (القطيع) هم أسوأ "غزاة الأعراض بالأمراض والعض بالباطل في غوارب العباد، والتفكه بها، فهم مقرنون بأصفاد: الغل، والحسد ، والغيبة، والنميمة، والكذب، والبهت، والإفك، والهمز، واللمز جميعها في نفاذ واحد. إنهم بحق رمز الإرادة السيئة يرتعون بها بشهوة جامحة، نعوذ بالله من حالهم لا رعوا ). 

ووالله ما مثل الدكتور العلامة عدنان إبراهيم أن يُهمل أو يُترك أو يُركن ، فضلا على أن يُتهم ويطعن فيه، إذ أن الطريق لنقاشه مفتوح، وإنقياده للحق وأهله معلوم مسموح، وفي فقده - لا جعل الله ذلك تحقيقا - خسارة عظيمة قاصمة، لكنها سنة الله الجارية على خلقه، وكفى بالله حسيبا بين عباده. 

وإن مما يُسلينا أنه صامد منافح في بيان الحق، و كشف الجمود والتقليد الزائف الباطل، وتنوير العقل بالبرهان والنور المشبع بالوحيين، فإن من الناس من لا تمل حديثه صدقا و نزاهة وعلما، يُكبر عقلك ويستثير علميتك ويقودك للبحث والإطلاع والقراءة ويرفع همتك ويرتقي بفهمك وعطائك، ويخرجك عظيما ترنو للجمع لا التفريق ولنصرة الأمة لا للخذلان، فإن يكن أحد من هذا النوع فبلا شك أو ريب أن الدكتور العلامة أبو محمد عدنان إبراهيم منهم. 

وحقا أنه قامة إستثنائية زاده الله من فضله وأعانه على طاعته، أطال الله له البقاء، كطول يده بالعطاء، ومد له في العمر، كامتداد ظله على الحر. تولى الله عنا مكافأته، وأعان على الخير نياته، وزاد في نعمه وإن عظمت، وبلغه آماله وإن انفسحت. أبقاه الله للعلم يعلي معالمه، ويحيي مكارمه، ويعمر مدارجه، ويثمر نتائجه. ونحسبه ولا نزكي أحدا على الله أنه من الصادقين المخلصين لدينهم وأمتهم والله تعالى حسيبه ومولاه. 

وعسى أن يكون كتابي هذا مُسليا له وحافظا لقدره وحقه، وسهما في الحث على التقدم والإستمرار والثبات، والله تعالى أعلى وأعلم، وأحكم وأرشد، والله الحافظ هو مولانا وعليه التكلان. 

بقلم: عبد المجيد عبد الرحمن باحص

البيان في نصرة عدنان

البيان في نصرة عدنان

عدنان هنا ليس شخصا بالتحديد بل هو رمز لأي تيار إصلاحي شق عليه ما وصلت إليه "خير أمة أخرجت للناس" من هوان وشقاق فشمر الأردان وخاطر بالرقبة والأهل والولدان في صفقة طرفها الأضعف في الأرض، والآخر الملك الديان "السجع الوارد لم أسعَ إليه حثيثا ". وفي حال كهذه ليس مهما أن يكون الإسم عليا أوعدنان أو حسنا، المهم هو المشروع الذي يحمله حاملو هذه الأسماء. 

بدءاً أراني مضطرا للتنويه إلى أن المخاطب في عنوان المقال أولئك النفر الذين وجدوا في حركة عدنان إبراهيم مهربا لهم من طخية عمياء و متنفسا من كتلة دخان سوداء راكمها في أنوفهم رهط من جميع المذاهب -بلا إستثناء- خطفوا المبادىء السمحاء لأشرف دين ختم الله به رسالاته السماوية على يد أشرف خلقه "محمد صلى الله عليه وآله". فالتفوا عليه كعرف الضبع، ينثالون من كل جانب مجندين كل ما أتاح لهم عصرهم من وسائل إتصال كانت إلى وقت أقرب أشبه بالنكتة السمجة، فجزاهم الله خير ما يجزي به المحسنين على هذا الإلتفاف والإنثيال المباركَين. 

باعتباري واحدا ممن يتابعون هذا المشهد الحركي من أعلى التل أرى أن الكثير -وأقولها بمرارة لاذعة- من هؤلاء، وجدوا في طروحات عدنان تعبيرا عن مكبوتات نقمتهم من مذهب محدد من مذاهب المسلمين، حتى إذا أبدى الدكتور جانبا مما يراه هنات في مذهبهم ابتلعوا ريقهم بمرارة وربما أغلقوا الخطبة أو المحاضرة وقد لا يكلفون أنفسهم حتى عناء النقر على خيار الـ"لايك" إستنكارا. فما عدا مما بدا؟ ألا يُفهم من ذلك أننا مع الدكتور ما كان معنا، متماشيا مع أفكارنا؟ لكن عندما يمس معتقدنا من قريب أو بعيد بطرح علمي مبين ننقلب على أعقابنا بانتظار خطبة أخرى يضع فيها أفكار وأشخاص المذهب الآخر على منصة النطع لنتشفى بذلك؟

ما هكذا –والله- تورد الإبل. لأننا لو فعلنا ذلك فسنكون دواهيم وخماميس ونوافيف آخرين، ضُربت أفكارهم في الصميم فانبروا منافحين ولو أتيحت لنا فرصة كفرصهم لفعلنا الذي فعلوا وربما أكثر من ذلك. ساءلتكم الله ونفسي الأمارة أولا، كم واحدا منكم مهيأ ليخوض العباب الذي يخوضه الآن عدنان إبراهيم المُخاطِر بكل شيء من أجل إنجاح صفقته مع رب العالمين؟ من أراد –حقا وصدقا- أن ينصر هذا التحرك المبارك فأشرفُ عمل يقوم به هو أن يبدأ بنفسه أولا ليرى كم يتسع صدره لقبول أفكار تتعارض، بل أحيانا تنسف الكثير من معتقداته المتوارثة من الجذور.

ولكي لا أتحدث بابن عم الكلام، أسأل أعزائي من الشيعة، ماذا كان شعوركم عندما نفى الدكتور نفيا قاطعا فكرتي عصمة الأئمة الإثني عشر والإمام المهدي وما بينهما وفق المنظور الشيعي؟ أكاد أجزم أن الكثير منا شعر بالمرارة القاتلة. وهؤلاء الكثير يريدون من عدنان فقط أن يسفّه المذهب الوهابي وينتقد خروج عائشة على علي "ع" ويلعن يزيد بن معاوية على ما إقترفه بحق المسلمين، أما أن يقترب من أسوارنا فهذا خط أحمر على الدكتور تجنبه ما إستطاع إلى ذلك سبيلا. 

إذن نحن نريد من عدنان أن يكون مفصّلا على مقاييسنا، وليس المقاييس التي يريدها هو. لو ثـُنيت لي الوسادة لتوسعت أكثر في هذه النقطة لكن في جعبتي الكثير مما أريد قوله كي أوفي عنوان المقال حقه قبل أن تتفرق بي السبل. 

أعزائي الكرام، الإخلاص لحركة عدنان ليس أن ننتظر إنتهاء خطبته الغراء أو محاضرته العصماء لنكتب له عبر الفيسبوك أو التويتر سطري إطراء وكلمتي إستحسان و "لا فض فوك" و" لقد اسمعت لو ناديت حيا" و هذا الإستحسان والإطراء يتناسب طرديا مع تماشي خطبة الدكتور مع متبنياتنا العقدية. أرجو أن لا يفهم من كلامي هذا أنني لا أشجع على التعبير عن الإطراء أو أشكك بصدقيته، أبدا والله، لأنني فعلت أبعد من ذلك مع الدكتور عدنان، بل أنا واثق من أنه يدخل السرور إلى قلبه، لأنه من خلال ذلك فقط سيتيقن من أن رسالته سمعها المئون وربما الآلاف داخل وخارج النمسا.

لكن المسألة الأهم هي مردود هذه الملاحظات الجميلة على مجمل تحرك الدكتور؟ من كان منا يرى في نفسه الإخلاص لهذه الحركة المباركة عليه أن يحاكي شغف الدكتور الجارف للبحث ومطاردة الحقائق، لا يعنيه إن كان الوقت ليلا أم نهارا. الإخلاص لهذه الحركة يعني التسلح بأدب الحوار المبني على أساس متين من الوعي والخزين المعرفي والأدلة الدامغة، لأن الآخر هو أيضا مسلح بما يدحض حججنا. إخلاصنا لهذا التحرك هو التسلح بلغة عربية رصينة لا تدع مجالا للآخر ليتهمنا -عن وجه حق طبعا- بتجاهل جمال لغة القرآن وفنونها الساحرة. 

إخلاصنا لهذا التحرك المبارك يفرض علينا جميعا -بدءا من كاتب السطور- إعادة النظر في كل ما نتبناه من أفكار ولا نرسل الأشياء إرسال المسلمات. قبل أسبوع تشرفت بترجمة "باقة من روضة المفكر علي شريعتي رحمه الله" يقول الدكتور في واحدة من عباراته المحلقة ما معناه: إلهي … أشعلْ نار الشك المقدسة في داخلي لتأتي على كل يقين إستقرت إليه نفسي، لتبزغ من ركام الرماد إبتسامة مشرقة على شفاه صبح يقيني الخالي من الغبار" أتمنى على كل منّا أن يتأمل في هذا الدعاء الرائع الذي أرجو أنْ قد أحسنت نقله للعربية.

الوفاء لمشروع الدكتور عدنان هو أن نسعى جميعا لأن يكون كل واحد منا "عدنانا" آخر بأسلوبه الخاص به لكي لا يستفرد به في الساحة. الوفاء لحركة عدنان هو أن لا نحول الأشخاص في القديم والحديث إلى قديسين مبرئين من الخطأ وبالنتيجة هم مبرّؤون من الشبهات لا تقترب منهم سهام النقد مهما كان صنيعهم. الوفاء للدكتور يعني أن نسعى جميعا إلى عدم الإكتفاء بالنشوة عندما يتعرض لمن نظنهم أعداؤنا في الفكر والعقيدة. 

الوفاء لحركة الدكتور يعني أن لا نكون كفرق كرة القدم التي تنتظر خسارة منافسها لتتصدر هي جدول النقاط. الوفاء لعدنان لا يعني بالضرورة أن نكتفي بإرسال محاضراته لمن نحب، بل الوفاء كل الوفاء يعني نشر طريقته المحايدة المتجردة من الإرثيات في الإمساك ما أمكن بتلابيب الحقيقة والإقرار بالخطأ عند وقوعه.

وفاؤنا لهذه الحركة يملي علينا أن نسعى لنكون –كالدكتور- موسوعيين في ثقافتنا، وهذا لا يتعارض مع التخصص إطلاقا بل يعززه. الوفاء الحقيقي أن نكون باحثين عن الحقيقة حتى الرمق الأخير وعدم الركون إلى أن ما عندنا هو الحق المطلق وأن ما عند غيرنا هو الباطل المطلق، فنكونن من الأخسرين أعمالا الذين ظل سعيهم ... وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

الوفاء الحقيقي هو أن نجد أنفسنا مدافعين عن مبدأ عند غيرنا كنا نظنه بالأمس القريب باطلا فثبت لنا صوابه بالدليل، ونتخلى بشجاعة عن فكرة كنا نتبناها وراثيا فتكشّف لنا بالبحث بطلانها. الوفاء يعني أن نؤمن بأن أي أمر "خلا لا إله إلا الله محمد رسول الله الذي لا يجد الباطل إليه سبيلا " هو أمر خاضع للنقاش ولا يطعن بإيماننا، طالما أن الحقيقة والحقيقة وحدها هي وجهتنا. 

قبل بضعة أيام أرسلت وصلة إحدى خطب الدكتور عدنان لصديق عزيز علي يبدي حرصا كبيرا على متابعة أنشطة الدكتور قديما وحديثا. وعندما التقيته لأناقشه في بعض ما ورد في الخطبة فاجأني بأنه لم يستمع لها فحسبت أن الأمر لا يعدو كونه ناجما عن ضيق الوقت. لكنه كان شجاعا عندما صارحني بالقول: لا أطيق سماع أي خطبة لعدنان إبراهيم لأنه لا يؤمن بالامام المهدي … فتصوّر. 

أخيرا، لعل البعض لاحظ أنني أتجنب إستخدام لقب "الشيخ" مع الدكتور عدنان لأن هذا اللقب فقد عندي شخصيا معناه الذي جاء من أجله بسبب الشيوع وسوء الإستخدام. أعتذر عن الإطالة والعذر عند كرام الناس مقبول.

بقلم: أ/حميد آل جوبير

تلخيص سلسلة نظرية التطور - الحلقة: 16 - 17 - 18

تلخيص سلسلة نظرية التطور - الحلقة: 16 - 17 - 18

الحلقة: السادسة عشرة والسابعة عشرة والثامنة عشرة - بعنوان: التطور الصغروي

التطوُّر الصُّغروي هو: الإنتخاب الطبيعي وهُو يعمَل Natural Selection In Action
العالِم التطوُّري الشهير جُون إندلَر أحصى في كِتابِهِ "الإنتخاب الطبيعي في البريَّة" مئة وخمسين حالة للتطور وهو يعمل. وهذه الحالات كلها حالات للتطور الصغروي، وليست إنتواعا .



سَرَد الدكتور عدنان إبراهيم في الحلقة السادسة عشرة تجربة العالِم إندلَر على سمَك الجابي، وتجارب أخرى.
وختم الدكتور عدنان الحلقة ببيان تجربة العالِم ريتشارد لينسكي طويلة الأمد على الباكتيريا الإشريشية القولونية E. coli



وفي الحلقة السابعة عشرة، أكمَلَ الدكتور عدنان الحديث عن تجربة لينسكي. وكانت نتائِجها أنها أثبتت الطفرات عبر أجيال طويلة من البكتيريا. فقد كان هناك تطوُّر في الأحجام وفي الأعداد وفي أساليب التغذية.

تكَلبُن الذِّئاب: أنَّ الذئاب التي إقتربت من الإنسان وقَلَّصَت مسافة هُروبها وعبر أجيال طويلة 10.000 سنة) أصبحَت بعد ذلك الكلاب الأليفة التي نعرفهَا الآن. )

تكلبُن الثَّعالب: أثبتَتها تجربة العالِم الروسي ديمتري بيلييف. حيثُ إختارَ مجموعة من الثعالِب التي تُبدي شيئا من الألُفَة تجاه الإنسان ووَالَد بينها. وعلى مدى زمني معيَّن أكمَلَ تلاميذُهُ تجربتَهُ بعد وفاتِهِ ولاحظُوا أنَّ النَّسل الجديد فَقَدَ فروَتَهُ وتبَقَّعَ كما يتبَقَّع الكلب الويلزي!
فأسمَوها النُّخبة المُدَجَّنة (لا كلب ولا ثعلب). ومع الزمن تطوَّرَت بشكل كبير بحيث دَخَلَت عالم الكلاب تقريبا.ً

يُكمِل الدكتور في الحلقة الثامنة عشرة عرض أمثلة وأدلة حدوث التطور الصغروي. فسَرَد تجارب مثيرة ومهمة لمجموعة من العُلماء حول العالم.

لمشاهدة الحلقات كاملة:

تلخيص سلسلة نظرية التطور - الحلقة: 15

تلخيص سلسلة نظرية التطور - الحلقة: 15

الحلقة: الخامسة عشرة - بعنوان: التركيبية التطورية المعاصرة

- الطَّفرات التي تقع في الخلايا الجسدية لا يتم توريثها. أمَّا الطفرات المهمَّة التي يتحدَّث عنها المختصُّون هي التي تقع في الخلايا الجنسية، وهي التي يتم توريثها.

- الطفرات مُعظمها ضارَّة. وقليل منها مُحايد. والقليل جداً مُفيد.

- أوجَست فايسمان: هُو ثاني أعظم مُنَظر للداروينية بعد داروين. وعلى يدِّهِّ تم إنعاش نظرية التطور.

- من جديد بعدما تخلَّى عنها المجتمع العلمي جرَّاء ضربات مندل ودا فريس وغيرهم.



تم إعادة إحياء النظرية من خلال الفراشة الإفريقيَّة: "بابيليو داردانُس" المُقَلِّدة لنوع آخر من الفراشات. حيثُ تقلِّد هذه الفراشة نوعا آخر مختلفا من الفراشات لديها وسيلة للدفاع عن نفسها عن طريق إفراز مواد كيميائية تجعل طعمها سيئا جداً.

هذه الفراشة المُقلِّدة راكَمَت تغيرات عبر زمانية طويلة لتجعَل من شكلها فقط قريبا جداً من شكل الفراشات الأصليات ذوات القدرة الدفاعية.



طوَّر فايسمان نظرية خاصة به، أسماها: البلازما الجرثوميَّة.

تقول هذه النظرية، أنَّ الصفات التي يتم توريثها تنتقل من جيل إلى جيل بواسطة مادة جزيئية في أنوية الخلايا الجرثومية (الجنسية). كما أن عملية الإنقسام المُنَصف تُساعد على حدوث التغيرات والتطوُّر. ثُم التلقيح بين الحَيمَن والبُييضة، خاصَّةً عندما تكونُ الأنساب متباعِّدة، فتكُون الفرصة لإنتاج الإختلاف أكبر.

التوليفة ما بين نظرية مندل وطفرة دا فريس والإنتخاب الطبيعي لداروين ونظرية فايسمان، سيتم تسميتُها بِّ: الداروينية الجديدة.

ثُمَّ بعد ذلك يُستَغنَى عن هذه التسميَة، ويُعاد تسميتها بِّ: التركيبية التطورية المُعاصرة. وهذه هي النظرية العامِّلة عِّند التطوريين إلى اليوم.


المبادئ العشرة للنظرية بحلتها الجديدة

.1 ما هُوَ التطوُّر؟
هُوَ تغيُّر في تردد الجينات في مستودع الجينات (شرحناه سابقا).

.2 ما هُوَ منشأ التغيُّرات؟
الطفرات: على مستوى الجينات (صغيرة) أو على مستوى الكروموزومات (كبيرة).
والتغيرات الظاهرية، كالصفات المُكتسبة، لا علاقة لها بالتطوُّر. التطوُّر يشتغل فقط على النمط الجيني – القابل للتوريث.

.3 الإنتخاب الطبيعي:
وهو يعمَل على إستبقاء الصفات المُفضَّلة والتي تُعطي الكائِّن صلاحية أكبر. والصلاحية هي أن يكون أكثر تكيُّفا مع بيئته – لا أقوى ولا أجمل!

.4 الإنعزال:
بِّنَوعَيه: الجغرافي ( Allopatric Speciation )، الذي يُنتِّج لنا أكثر من مَوطِّن.
والتكاثُري ( Sympatric Speciation )، في البيئة والموطن الواحِّد ولأسباب مُعيَّنة لا تتكاثَر حيوانات معيَّنة مع أخرى معها من نفس النوع وفي نفس الموطِّن. ومع الوَقت، تُصبِّح الحيوانات التي تكاثَرَت مع بعضِّها نوعا،ً والأخريات نوعا آخر مختلفا تماما.ً

.5 التطوُّر النيوتيني:
أن الكائِّن النيوتيني يحتفِّظ بشكله الصبياني الطفولي بعدَما يكبُر. هذا الكائِّن ينضُج جنسيا ولكنه تقريبا لا ينضُج بدنيا.ً
الإنسان كائن نيوتيني – عكس الشمبانزي.
الدلالة التطورية: أننا والشمبانزي لا بد أن نكون من أصل مشترك. لأننا نكُون متشابهين في المرحلة الجنينية والطفولية، ثمَّ تُفرقنا بعد ذلك بعض الجينات المختلفة.

.6-7 التطوُّر لا يحدُث بوتيرة تسارعيَّة واحِّدة. 
فهناك كائنات تطورت بسرعة كبيرة، وكائنات أخرى تطورت بوتيرة بطيئة جداً.

.8 يكُونُ التطوُّر سريعا إبَّان الإنتواع إلى أن يكتمِّل النَّوع الجديد ويتكيَّف مع بيئته، ثُمَّ يعود لطبيعته البطيئة. (أي عندما تحدُث طفرة معينة أو تغيُّر ما).

.9 تطوُّر الأنواع الجديدة لا يعني وجوبَ تطوُّرها من أنواع أكثر تقَدُّما بحيث تكونُ الأنواع الجديدة زائدة عليها.

.10 ليس بالضرورة أن يتَّجِّهَ التطوُّر دائما نحو الأكثر تعقيداً وتركيبا.ً والأمثلة على ذلك كثيرة جداً.

لمشاهدة الحلقة كاملة:

تلخيص سلسلة نظرية التطور - الحلقة: 14

تلخيص سلسلة نظرية التطور - الحلقة: 14

الحلقة: الرابعة عشرة - بعنوان: الطفرة والداروينية الجديدة

الفرق بينَ الخلايا البدَنيَّة والخلايا الجنسية (المني والبُييضة) هُو: أنَّ الخلايا البدنية تحتوي على الجينوم (الخطة الوراثية) الكامِل، والذي يساوي 46 كروموزوم. أمَّا الخلية الجنسية فتحتوي فقط على النصف: 23 كروموزوم.

قانون مندَل الأوَّل هُوَ: الإنفصَال. ففي الرجُل والمرأة يتم هناك إنقسام تنصيفي للجينوم في المناسِّل.
قانون مندل الثاني هُوَ: التوزيع الحُر للعوامِّل الوراثية (الجينات). يقول مندل أن كل صفة حين يتم إنعزالها في المناسِّل، فإن هذا الإنعزال يتم بشكل مستقِّل عن الصفات الأخرى، ويتم توريثها أيضا بشكل مستقِّل.

هذا القانون الثاني صحيح إلى حدّ ما، وليس صحيحا بالمُطلَق.
وسوف يأتي العالِّم الكبير تُوماس هانت مورجان ويكتَشِّف مبدأً جديداً وهُو مبدأ الإرتباط. ويحوز على جائزة نوبل بسببهِّ. وهذا المبدأ يقول: أنَّ الصفات المحمولة على صِّبغي كروموزوم الجِّنس أحيانا لا تنعزل بشكل مستقِّل.

مساهمَة مورجان هذه جَعَلت قوانين الوراثة تُسَمَّى: قوانين مندل-مورجان.



قانون مندل الثالث هُوَ: السيادة والتنحي.
حينَما فرَغَ مندل من عَملهِّ، طبَعَهُ في عام 1865 وأرسلَهُ إلى مجموعة من العُلماء حول العالَم.
وكانت ردة الفعل .. الصَّمت! وللأسف تم تجاهلهُ.

في النهاية، كتَلخيص، هُناك فرق بين النَّمط الظاهري والنَّمط الجيني.
فالنَّمط الظاهري ليس ترجمةً صادقة وكاملة للنمط الجيني. فربَّما يَحمل شخصٌ طويل جينا قصيراً متنحيا يظهر في أولادهِّ ولو بعد حين.

الطويل الأصيل: هوَ الذي لا يحمِّل جينا قصيراً ( TT .)
الطويل الهجين: هوَ الذي يحمِّل جينا قصيراً ( Tt .)




موقف الشيوعيين من النظرية المندلية والتطورية

الشيوعيَّة والنازيَّة عشِّقتا نظرية التطور. والنازية رأت أنها تُعلِّم أن البقاء للأقوى دائما. ( وهذا خطأ وقد تم توضيحه، بدليل وجود الفراش والنَمل وانقراض الديناصورات وغيرها ).

الشيوعيون عارَضوا مَندَل، لأنَّهُ عارض داروين في اللاماركية والتكوينية الشاملة. ولأنَّ المندلية بذلك كَشَفَت عَوار نظرية التطور بصيغتها الداروينية وفشلها في الإجابة عن أهم تساؤلين موَجَّهين للنظرية، وهُما:


  1. ما أصل وكيف تنشأ التغيرات التي يشتغل عليها الإنتخاب الطبيعي؟
  2. كيف يتم توريث هذه التغيرات؟


(طبعا داروين ارتَدَّ لاماركيّ ا في الإجابة عن هذين التساؤلين، حينَ قال أن هذه التغيرات سببها ظروف البيئة، وأنَّ الصفات المكتسبة يتم توريثها!)

مِّن هَم الشيوعيين إقناع الناس أنَّ الصفات المكتسبة يتم توريثها، حتى نربي أنفسنا لنصل إلى المجتمع اللاطبقي (اللاطبقية على مستوى الجينات!!).


الطفرة

هيوغو ماري دا فريس: هُو عالِّم نبات، وهُو أبو الطفرة



تسَلَّمَ هيوغو دا فريس كُرسي أستاذية علم النبات في جامعة أمستردام وهُو في الثلاثين من عمره. وقد عاشَ مٌقتنعا بنظرية التطور لداروين.

أجرى تجارب خاصة حتَّى يفهَم آلية الإنتخاب الطبيعي ويُثبتها، ولكن جاءت النتائج مخيبة، وكانت ضربة أخرى للتطور بعدَ مندل. فقد ضَرَبَت نتائج هذه التجارب مبدأ التدرُّجيَّة في الإنتخاب الطبيعي عبر زمانية طويلة.

النتائج أثبتت عكس التدرجيَّة، وهُو الطفرة الفُجائيَّة Mutation .

أجرى دافريس تجاربهُ على زهرة الربيع الليلية، ولاحَظَ نفس نتائج مندل. والأهم أنه لاحَظَ أنواعا جديدة (أشكال أوراق جديدة، ألوان جديدة، أطوال سيقان جديدة ..) وهذه الصفات ظهَرَت فجأة ، واستمرت عبر الأجيال (تم توريثها).
ولكن هذه الصفات الجديدة لم تنشأ تدريجيا عبر زمانية طويلة! بل فجأة عبر الطفرة.

توصَّل دافريس إلى انَّ هناك مُكوِّنات شامِّلة Pangenes في الخلايا، وهي التي تحمِّل المعلومات الوراثية. وهي أيضا المسؤولة عن صِّفات الكائنات وعن التغيرات الناشئة، وليس البيئة وظروفها كما قال داروين ومن قبله لامارك.

عن الطفرة، قال دافريس:

  1. بِّها ممكن أن تنشأ أنواع جديدة من الكائنات بدُون مقدمات ومسار زمني طويل.
  2. القُدرة على حدوث الطفرة كامِنة داخِّل الكائن، والبيئة غير مسؤولة عن إحداثها بل هي فقط تستحِّثُّها.
  3. الإختلافات الظاهرية في النمط الظاهري لا علاقة لها بالطفرة، بل هي شيء طبيعي وقد وضَّحَهُ مندل من قبل. إنما الطفرة يكون لها علاقة مثلاً: عندما يكُون الطفل قصيرا رغمَ أنَّ والدَاهُ طويلان أصيلان (TT) .
لمشاهدة الحلقة كاملة:

تلخيص سلسلة نظرية التطور - الحلقة: 13

تلخيص سلسلة نظرية التطور - الحلقة: 13

الحلقة: الثالثة عشرة - بعنوان: مندل وبزوغ علم جديد

أوَّل من تجرَّأ على التعرض لتطوُّر الإنسان هو توماس هكسلي (كلب داروين) في كتابِهِ: مكان الإنسان في الطبيعة. والذي صدر عام 1863 ، وصرَّح أن الإنسان تحدَّر من كائنات أدنى. وأنَّه والقرود أبناء عمومة.



بعدَ هَكسلي، نشَرَ داروين كِتابَهُ: نشأة الإنسان، عام 1872. وقد إعتَبَر العُلماء كِتاب هَكسلي بأنه أفضل من كتاب داروين، رغم أنهُ أصغر منه بكثير ولكنه أكثر وضوحا وتنظيما.ً

غريغور مندل: هُوَ أبو عِلم الوراثة. وقد بدأ حياتهُ راهِبا وكانَ مُحبا لعِلم النبات. وكان يكتُب مذكرات وتبصُّرات أثناء رئاستهِ للدَّير. ولكن بعدمَا توفي، قامَ خلَفُهُ بجمع كل مذكراته وأوراقِهِ وأحرقَها!



مَندَل قرأ لداروين، ولكن داروين لم يقرأ لمندَل. رغمَ أنَّ مندل بعث لداروين ملزمَةَ بحثٍ لهُ في الوراثة، ولكن داروين مات قبل أن يفتحها.

أجرى مندَل تجاربهُ على نبتة البازيلاء بسيطة التركيب على مدى ثماني سنوات. وأراد من خلال تجاربِهِ إختبار توريث سبع صفات معينة، وإستخراج قوانين توريثها – إن كانَت هناك قوانين.

إنتهى مندل بعد تلك السنوات إلى نتائج ثورية فَتَحَت بابا جديداً في العِلم ووضَعَت حد اً لنظريات قديمة.

أمثلة على نظريات الوراثة القديمة: أرسطو كانَ يعتقِد بنظرية التكوين المُسبَق (Pre-formation ) والتي تقول بأنَّ الطفل يكون كامِلاً في حَيمن الرجُل، ثمَّ بفِعل دم الطَّمث في الرَّحِم يبدأ ينتفِخ.

ثًمَّ جاء ليفنهوك الهولندي وخَطَّأ أرسطو، فقال أنَّ الطفل يكون كاملاً في بُييضَة المرأة لا في حَيمن الرَّجُل.

وهُناك أيضا لامارك، ونظريته في الإستعمال والإهمال والصفات المُكتَسَبة التي يتم توريثها. مَندل سوف يضرب كُل هذه النظريات، كما سيضرِب أيضا النظرية التكوينية الشاملة المُعدَّلة لداروين.


ما هي نظرية مندل؟

هجَّنَ مندل نبتتي بازيلاء أصيلتَين (إحداهُما أصيلة في صِفَة، والأخرى في صفة أخرى).

لِنَفرِض أن النبتة الأولى صفتها "ملساء مدوَّرة" والثانية "مجعَّدة". النتيجة في الجيل الأول كانَت أنَّ كل الناتج كانَ أملس مدوَّر، ولم يظهر فيه التجعيد.

ثُمَّ هجَّن نبتتين من الجيل الأول، وكانت النتيجة أنَّ ثلاثة كانوا "ملساء مدورة" وواحِدة فقط "مُجعَّدة". . ومع التجارب تبقى هذه النسبة ثابتة تقريبا في كل الأجيال الأخرى  (3 إلى 1).



أهم إستخلاصات مندل، أنَّهُ قال: أنَّ توريث الصفات يتم عن طريق عوامِل وراثيَّة (والتي تمت تسميتها في عام 1909 بالجينات). وهذه العوامل (الجينات) إمَّا أن تتفعَّل وإما أن لا تتفعَّل. وهذه العوامل يتم تمريرها كاملةً مكتملة سليمة وليست مجزَّئة ولا ممزوجة.

وكذلك قال مندل أنَّ هُناك عامِلان يتحكَّمان في كُل صفة، وهُما: أليلان إثنان (جينَان). الأوَّل مأخوذ من الأب، والآخر مأخوذ من الأمُ. ومن الممكن أن يكونا متماثلَين أو مختلفَين.

كما أن هناك صفات سائدة (جينات سائدة) مِثل: الطُّول. هذه الصفات السائدة هي الموجودة بين الناس بشكل أكبر. وهُناك أيضا صفات متن حية. وإذا إجتَمَع السائِد مع المُتن حي، تكُونُ الغَلَبة للسائد.

مشاهدة الحلقة كاملة

تلخيص سلسلة نظرية التطور - الحلقة: 12

تلخيص سلسلة نظرية التطور - الحلقة: 12


الحلقة: الثانية عشرة - بعنوان: متاعب وتحديات

الإعتراض الأول: قدَّمَهُ عالِم الحيوان الإنجليزي جورج ميفرت. وهو يقول: أنَّ الإنتخاب الطبيعي يُمكن أن يفسر لنا إستبقاء التغيرات التكيفية الناجحة ذات الإمتياز. ولكنَّهُ لا يفسر لنا المراحِل الأولية لنشوء وتطوُّر هذه التكيفات والتغيرات. إلا إذا سلَّمنا بوجود خطَّة مُسبقة تُرغِم هذه التغيرات على التراكُم للوصول لغاية محدَّدة.



يرُدّ داروين على الإعتراض الأول: بأنَّهُ قد ينشأ تغيُّر ما ويكون واضِحا أنَّهُ لا يخدِم الهدف الذي سينتهي إليه بعد ذلك، ثمَّ يحدُث بعد ذلك تغيُّر في وظيفة هذا التغيُّر فيخدِم في إتجاه آخر. (وقد ناقَشنا هذا من قبل).

أساس نظرية التطوُّر هو مبدأ التدَرُّج. والذي يعني أن الإنتخاب الطبيعي يشتغل على زمانية طويلة.

الإعتراض الثاني: وهو متعلِّق بالأشكال الوسيطة (الحلقات المفقودة).

يردُّ داروين على الإعتراض الثاني: بأنَّهُ ربّما كانَت هناك كوارث طبيعيَّة أدَّت إلى إنطِماس هذه الأشكال الوسيطة.

طبعا هذا الردّ يُعتَبَر ثغرة في حدّ ذاته! فلِماذا إنطمَسَت الأشكال الوسيطة فقط ولم تنطمِس معها الأشكال الأساسيَّة أو التي تليها؟! ولكن داروين، على كل حال، عوَّلَ على سد هذه الثغرة في السجل الأحفوري بعدَهُ. وهذا ما حصَل فعلاً. فقد تمَّ سد ثغرات كبيرة وإكتشاف حلقات مفقودة كثيرة.



الإعتراض الثالث: تقَدَّم به عالِم الفيزياء الإنجليزي ويليام طومسون الشهير ب اللورد كِلفن.
ففي ورَقَتِه البحثيَّة بعنوان: "تفنيد موجَز لمبدأ الات ساق" يقُول أنَّهُ حَسَب عُمر الأرض وقد توَصَّل إلى أنه عُمرها لا يتعدى المئة مليون سنة. وهذه بالطبع فترة قصيرة ولا تكفي لكِي تُحدِث هذه التغيرات الموجودة حاليا.ً وهذا يضرِب نظرية داروين.

ويقول كِلفِن أنَّ تفنيدَهُ هذا لا يُعارِض بالضرورة مبدأ التطوُّر. ولكنَّهُ حتما يُعارِض نُسخة داروين من التطوُّر (مبدأ التدرُّج بالإنتخاب الطبيعي).

بعد ذلك بسنين أعادَ كِلفِن حِساباتِهِ وقال أنَّهُ إرتكَبَ خطأ في الحِساب، وأنَّ عُمر الأرض ليس مئة مليون سنة بل ثلاثين مليون سنة فقط! ويُمكِن أن يهبِط إلى عشرة ملايين سنة فقط!



تأثَّر داروين كثيراً بحسابات كِلفِن وبمصداقيَّتِه العلميَّة كعالِم عظيم. وفي الطبعة السادسة من كِتابِهِ أصل الأنواع، إستبدَلَ داروين عِبارة: "هذه الفترة الزمانية الضخمة جداً جداً" بعِبارة: "هذه الفترة الزمانية الضخمة" فقط!

الطبعة الأخيرة (السادسة) من أصل الأنواع هي الطبعة التي يكرهها التطوريون! لِما فيها من تردُّد واضِح وتراجُع لداروين وتغيُّرات في آرائِه أثبَت العِلم خطأها فيما بعد.

طبعا الآن معروف أن عُمر الأرض هو خمسة آلاف مليون سنة (خمسة بلايين سنة) وبذلك يبطُل تفنيد كِلفِن.



داروين كان يتبنَّى نظرية في الوِراثة تُعرَف بنظرية المَزج.
وهي تقول بأنَّ خطوط الدمّ الآتية من الوالِدَين حينَ تلتقي فإنها تتمازَج، وتنتهي دائِما بعد تمازُجها إلى نهايات ونتائِج وسيطة.
مثلاً: إذا هجَّنَّا زهرَتَين إحداهُما حمراء والأخرى بيضاء، فإنه سينتُج زهرة ورديَّة اللون.

نظريَّة التطوُّر عليها أن تُجيب على تساؤلَين:

1. من أين تنشأ التغيرات وكيفَ تظهَر؟
كانَ عِند لامارك جواب بسيط وهُو: الإستعمال والإهمال. بمعنى أنَّ العُضو الذي تستعملهُ يتطوَّر ويتقوَّى، والعكس بالعكس (مثل رقبة الزرافة). كما أنَّ لامارك إفتَرَض أنَّهُ يتمّ توريث هذه التغيرات الناشئة عن الإستعمال والإهمال.

2. كيف يتم توريث هذه التغيرات؟
هُنا داروين يتبنى النظرية المزجية. (داروين لم يفهَم أن تبنِّيه لهذه النظرية يقتُل نظريته!).

الإعتراض الرابع: تقَدَّم بهِ عالِم الهندسَة الكهربائية فليمينج جينكين. والذي سدد ضربة قاتلة لنظرية المزج.



فهُو يقول: لنفترض أن تغيراً ما ظهَرَ في فرد من الأفراد. وهذا التغيُّر كانَ مفيدا فيستبقيه الإنتخاب الطبيعي. ثمَّ يتكاثر هذا الفرد جنسيا.ً فبحسب النظرية المزجية فإنّ عامِل التوارُث سوف يُضعِف هذه الصفة (التغيُّر المفيد) التي ظهرت في ذلك الفرد إلى النصف، وفي الجيل التالي إلى الربع .. وهكذا!

إنَّ جوهر المزجية يقتضي الإنقسام. وبالتالي الضعف والفناء على مدى الأجيال. فبدل أن نصل بعد فترة طويلة إلى جنس جديد بعدَ تراكُم التغيرات، نصِل إلى جنس تتلاشى فيه هذه التغيرات!

تأثَّر داروين جداً بهذا النقد. وفي الطبعة السادسة من أصل الأنواع إرتَدَّ إلى نسخة لامارك في التطور حينَ قال مُعتذِراً: أنا آسف لأنني لم ألاحظ سابقا أنّ البيئة فعلاً لها تأثير قويّ على الكائِن في إحداث التغيير التكيفي فيه. وأنَّ هذا التغيير يتمّ توريثه. (الإستعمال والإهمال).

بعد ذلك بسنوات طرَحَ داروين كتابَهُ في الوراثة من جزئين، وتبنَّى فيه نظرية قديمة لأبقراط وطوَّرها. وهي نظرية تُعرَف ب: التكوينية الشاملة.


التكوينية الشاملة

تقولُ هذه النظرية أن كُلّ خلية من الخلايا البدنية (لا التكاثرية كالمَني) في الأب والأم تُرسِل براعِم صغيرة (وفود) إلى المَجمَع الإنتخابي (الخصيتين عند الذكر، والمبيضين عند الأنثى) وهُناك يتمّ تخليق الجاميتات (حيوان منوي مع بُييضة) ثُمَّ عند التلاقُح تنشَأ اللاقِحة (الزيجوت) وهذا الزيجوت يحتوي على صورة من الأب وصورة من الأمُ.

فإذا كانَ الأب كبير العضلات وقوي ورياضي (أي صفات مكتسبة) فإن هذه الصفات يتم نقلها للأبناء! وكذلك الحال مع صفات الأم. (وهذا أيضا يُعتبر إرتداداً إلى لامارك!).

(طبعا هذه النظرية في الوراثة هي نظرية تأمُّليَّة، وليست تجريبية. ولم تثبُت أصلا !).

الإعتراض الخامِس: وهو يتعلق بالتوزيع الجغرافي للكائنات.
فبِحسب التطور، فإنَّ كل الكائنات على وجه الأرض مُتطوِّرة من كائِن واحِد بدائي في مكانٍ واحِد. ثمَّ انتشرت بعد ذلك في أنحاء الأرض.

السؤال هُنا هُو: فكيف إذاً تُوجَد لدينا مثلاً كائنات مِثل الضفادِع على الطرف الشرقي للأطلسي، وأيضا تُوجَد هي نفسُها على الطرف الغربي للأطلسي على الرغم من وجود فاصِل طبيعي وهُو المُحيط؟ عِلما بأن الضفادع لا تسبَح في مياه مالحة وإلا تموت!

يرُدّ داروين على هذا الإعتراض بِجوابَين:
1- يُحتَمَل أن تكُونَ هذه الضفادِع إنتقلت إلى الطرف الآخر عبر أجسام عائِمة عبر المُحيط.
2- يُحتَمَل أنَّهُ في الماضي السحيق كانَت هُناك جسور بريَّة ما بين القارَّات.
وهذه النقطة أثبتها العالِم الألماني ألفرد فيغنر عام 1912 . في نظريَّة الإنجراف القا ري.
وتقول هذه النظرية أنَّ القارات كانَت مُلتحِمة في قارة واحِدة ثُمَّ إنزاحَت عن بعضِها عبر السنين.

طبعا إتُّهِم فيغنر حينها بالجنون! وظلَّ محطّ سخرية حتى أوائل عام 1960 . ثمَّ ثبتت نظريتهُ في الإنجراف القارِّي بشكل عملي وملموس. فالقارَّات لم تتباعد فقط قديما،ً بل هي حتى الآن مستمرة في التباعُد.

لمشاهدة الحلقة كاملة

ماذا تريد من عدنان يا صحاب العقل التائه الحيران ؟!!

ماذا تريد من عدنان يا صحاب العقل التائه الحيران ؟!!

مدح الشيخ عدنان العلامة محيي الدين إبن عربي وروحه المكاشفة فسارعوا باتهامه بأنه صوفي .. 

مدح الشيخ عدنان فلسفة السيد الصدر فسعدوا بها من تهمة لرميه بالتشيع.. 

فضح الشيخ عدنان نفاق معاوية وقال بلا معصومية الصحابة فوصفوه بأنه شيعي وزنديق.. 

مدح الشيخ عدنان فلسفة أرسطو وسقراط وأفلاطون وأراء كبار الفلاسفة والعلماء الغربيين فاتهموه بأنه علماني .. 

إستند الشيخ إلى القرآن المدعم بحجج العقل والمنطق في رد بعض أحاديث البخاري ومسلم فاتهموه بأنه عقلاني.. 

رأى الشيخ صواب حكم أبي بكر في فدك فاتهمه الشيعة بأنه ناصبي..

لم يسفه الشيخ عدنان حجج الملاحدة واستعرضها بموضوعية لا تلغي الإنصاف فاتهموه بأنه ملحد.. 

ماذا تريد من عدنان يا صحاب العقل التائه الحيران ؟!! عدنان ليس مثلكم، عدنان ليس من جنسكم، هو باحث عن الحق، محكم للعقل، ناقد للتقليد، منقاد للدليل، عالم فذ شرب من كل العلوم، وجمع من خلاصة كل الفنون... هذا هو باختصار ما يمثله عدنان إبراهيم...

احمد زهير

إسلام بلا إسلاموية .. الإسلام والتاريخ

إسلام بلا إسلاموية .. الإسلام والتاريخ

كلما كانت الأمة ماضوية في وعيها العام : في قيمها ومبادئها ، في آمالها وطموحاتها ، في تصوراتها عن الذات وعن الآخر ...إلخ ؛ كان تفكيك التاريخ ضرورة معرفية وضرورة حياتية ، بحيث لايمكن وضع اللبنات الأولى للنهضة ( أيا كانت هويتها ، وأيا كان مجالها ) إلا بعد أن يُعادَ تفكيك ، ومن ثَمَّ ، تركيب التاريخ من جديد ( تركيبه على مستوى الوعي به ) ؛ لأن التاريخ ، في السياق الحضاري لأية أمة تعيش التاريخ ، وتعتاش على التاريخ ، هو عبء كبير ، وأشد ما فيه من عِبئيّة ، أنه لايمكن تجاوزه إلا من خلاله . وهذا لا يكون إلا بتحطيم صنمية التاريخ ، إبتداء من تحطيم التصور المُصنَّم الموهوم عن التاريخ كصيرورة ، وإنتهاء بتعرية وفضح وقائع وشخصيات ذلك التاريخ .

إن التقليديين الإنغلاقيين يريدونها معركة مواقف وإنتماءات وتحالفات ، لا معركة أفكارٍ وتصورات. يريدونها إلتفافا عقائديا دوغمائيا حول مواقف مبدئية ( مزعومة ) لايمكن التفكير فيها ؛ حتى يتمكنوا من تجييش الأتباع للصراع ؛ دون أن يتركوا لهؤلاء الأتباع فرصة التفكير فيما هو محل البحث.

إذن ، لا أحد يتجاهل التاريخ ، رغم كل الدعاوى المطالبة بتجاهل التاريخ . كلٌّ يريد توظيف التاريخ لمنطلقاته الإيديولوجية الخاصة ؛ حتى ولو كان هذا التوظيف سلوكا مُضمرا في صورة الصمت المُتعمّد عن التاريخ ، أو عن بعض التاريخ . ومن هنا ، كان الإلتفاف والتمركز حول بعض الشخصيات التاريخية ذات الأبعاد الرمزية ، والإحتراب عليها ، لا يعكس موقفا من التاريخ لذات التاريخ ، لذات الحقيقة فيه ؛ بقدرما يعكس موقفا من تحَدّيات الحاضر ، وإشتغالا على رهاناته ، والتي هي موضوع الصراع الحقيقي لذلك الإنسان الراهني ، المتواري خلف التاريخ ، والذي يبدو وكأنه يعتاش على التاريخ .

مثلا ، الدفاع عن الإستبداد والطغيان في التاريخ ، هو دفاع عن الإستبداد والطغيان في الحاضر . الجميع يعرف هذا ، ومع هذا لا يعترف به إلا القليل ، إذ كلٌّ يُدافِعُ عن منطلقاته في الماضي للوصول إلى أهدافه النفعية في الحاضر . ما يعني بالضرورة أن ساسة الفكر وساسة الحكم يضحكون - بتحالفٍ غير نزيه - على عقول جماهير التقليدية ؛ عندما يُزيّفون لهم التاريخ ؛ وفق ما تقتضيه مصلحة الظلم والطغيان .

يستحيل أن يُدافِع أيَّ أحدٍ ( وبأية صورة من صور الدفاع ) عن الإستبداد والطغيان والفساد والظلم والقهر في الماضي إلا من تتحكم فيه إرادة الظلم والإستبداد والطغيان في الحاضر . إنه وِراثة فِكرٍ وعقيدة ، كما هي وراثة حَالةٍ ، وتَوَجّهٍ ، وظُروفٍ ، وإستعدادات سيكيولوجية . وهذا ما أدركه - بعمق - الشيخ : عدنان ؛ فلم يقرأ طغيان الحاضر بوصفه ظاهرة إستثنائية طارئة ، أو نبتة شيطانية ، وإنما رجع إلى أعماق التاريخ ، إلى أعماق ذلك التاريخ المُحصّن ضد النقد ، رجع يبحث في أغواره عن مصدر هذا الإستبداد والطغيان .

عندما أقدم الدكتور : عدنان إبراهيم - مُجترئاً - على هذه الخطوة العلمية التصحيحية ، كان لابد أن يصطدم بأقدم وأكبر وأقدس أصنام الطغيان في تاريخنا المجيد . ومن وراء ذلك ، كان لابد أن يتصدى له سدنة خطاب الإستبداد والطغيان ، أن يتصدوا له بالطغيان ، بالطغيان عليه أولا ، وبالطغيان على الحقيقة ثانيا ، حتى ولو كان ما صَدَر منهم إلى الآن مُجرّد طغيان أقوال ، بعد أن عجزوا عجزَ واقع عن طغيان الأفعال .

يستحيل على أي باحث متجرد ( متجرد بدرجة الإنحياز الكامل للإنسان ) أن يتناول مسألة الإستبداد والطغيان الذي ساد وقاد التاريخ الإسلامي ( إلا في إستثناءات نادرة جِدّاً ) ؛ دون أن يبدأ بحثه من نقطة البداية ، أن يبدأ بتحليل شخصية ( أول طاغية ) أسس للقهر والطغيان واقعا وثقافة ، وقضى - بالقوة المادية / الواقعية ، والقوة الثقافية أيضا - على كل ما قدمته تلك الخطوات الأولى للرشد السياسي . أي يستحيل تفكيك سلوكيات التوحش والطغيان ؛ دون أن يقوم - على مستوى الوعي - بنقل مثل هذه الشخصية التاريخية من دائرة النموذج المُبجّل الذي يصنع أمثلته باستمرار ، إلى دائرة المحظور المُدان ، إلى دائرة المَوصُومِين بالوَحْشية والإجرام .

لكن ، ولأن نتائج البحث العلمي المتجرد كثيرا ما تأتي بما لا تشتهي سفن أهواء الواقع ، الواقع الذي ينتفع به سدنة هياكله ؛ فقد كان من الطبيعي أن يتم التصدي لها ( = النتائج اللامقبولة ، أو الحقائق المكروهة ) بكل الوسائل ؛ باستثناء وسائل العلم ؛ لأن العلم - في أعلى درجات موضوعيته - لا يخدم سدنة هياكل التقديس والتصنيم ، كما لا يخدم مشاريع الطغيان ؛ إلا بأن يُطَعّم بشيء غير قليل من خيانة أصل العلم بالتزييف والتدليس ، وأحيانا باختراع الأوهام .

عندما حَلّل الشيخ : عدنان ، شخصية الطغيان الأولى في تاريخنا القديم ، وكشف للجماهير - المخدوعة على مدى قرون - عن أشياء لم تدر لهم بخلد ؛ بدا وكأن بنيان التقليدية يتهاوى من أساسه ، بدا وكأنه يتحطم على رؤوس سدنته المنتفعين بدَجَلِه وخُزَعْبَلاته المَطلية بأوهام اليقين الديني . بدا الأمر وكأن تحطيم صنم واحد ، أو تعرية وَهْمٍ واحدٍ ، جَرَّ وَراءه إرتياباً غير محدود بالتقليدية والتقليديين ، إرتيابا تضخّم إلى درجة نزع الثقة عن كل مسارات النظام المعرفي السائد الذي قام عليه التقليد منذ بدايته الأولى ، أي منذ بدأ التقليد الأثري الإتباعي يَتَسيّد وَعْيَ الجماهير ، الجماهير البائسة التي كان يجري تطويعها وترويضها لحالة البؤس والشقاء ، وكأن الشقاء هو قَدَرُها الأبدي والوحيد ، بل وكأنه قدرها الأفضل في هذا الوجود !.

عندما نتصور الأمر على هذا النحو ، نستطيع أن نفهم سِرَّ هذه الغضبة المسعورة التي يقوم بها حَمَلة الثقافة الجماهيرية التقليدية الأثرية على الشيخ : عدنان ، إلى درجة أنهم جعلوه ( وهو العالم الرباني المتجرد ) شيطانَ ضلال لا شيخ هداية ، وداعية هدم لا مهندس بناء ؛ لأن الهدى والرشاد والإستقامة - كما في تصورهم - محصورة بهم ، مُتَحدّدة في إتباعهم في كل تفاصيل أهوائهم التي يشرعنونها قسرا ؛ ليصلوا من خلال ذلك إلى أن تنقاد لهم جماهير الأتباع في كل التفاصيل الدينية والحياتية ، فلا تتحرك الجماهير - بعد ذلك - أية حركة ، وفي أي إتجاه ، إلا على إيقاع هَمَساتهم وهَمْهَماتهم وإيماءاتهم ؛ دونما إعتراض ، أو إستشكال ، أو حتى سؤال .

ومما يجب التنبه له ( وله دلالته اللافتة في هذا السياق ) أن الذين يقفون وراء تلك الحملة الغوغائية المسعورة على الشيخ : عدنان ، هم من غلاة الخوارج الصرحاء ، أو من غلاة منظّري التكفير من قعدة الخوارج ، أو من غلاة مُروّجي مقولات الإرهاب السياسي .

والقلة القليلة منهم هم بعض السذج من دراويش التصوف العامي ، أي من أولئك المتعاطفين مع أسماء تاريخية درجوا على أن تطرق أسماعهم مقرونة بشيء غير قليل من التبجيل والتفخيم ، فلا يُطيقون - وهم الذين إمتهنوا ( التصنيم ) و( الثبات ) و( التّحَجّر ) و( تهميش العقل ) ، كما أنهم الذين مكثوا طويلا يقطعون الأيام والليالي مغتبطين بأجمل وأكذب الأوهام أن يتلاشى بعض هذا الوهم الجميل .

هنا جذر المشكلة وملتقى عِللها وأسبابها . إنهم غلاة التطرف الذين يُشكّلون النواة الصلبة للتيار التقليدي الأثري الإتباعي على إمتداد التاريخ ، وعلى إتساع الواقع الجغرافي . إنهم أولئك الذين أشعلوا الفتن والحروب والصراعات المذهبية أينما وُجدوا في القديم ، وهم الذين - في عصرنا - عشقوا حركة طالبان حدَّ الهُيام ، وهم الذين ناصروا الإرهابيين في العراق ، وخاصة ممن كان على شاكلة الزرقاوي وأتباعه ، وذلك تحت شعار دعم المقاومة ودحر الغزاة ، وهم الذين ذرفوا الدموع سِرّا وعلانية يوم تمَّ الإجهاز على الرمز الإرهابي الكبير : إبن لادن ، وأقام عليه بعض مُتهوّريهم صلاة الغائب علانية في وضح النهار.

طابع الخفاء يَسِم علائق الفكر ؛ فلا تظهر تلك العلائق إلا بعد تأمل طويل ومُتعمق . لهذا ، لابد من أخذ الحذر ، والنظر بعيون التوجس ؛ عند قراءة سلوكيات بعض المتعاطفين مع الإرهاب على المستوى الفكري خاصة ، إذ إن كثيرا من هؤلاء الذين يهاجمون الشيخ : عدنان ، لديهم ميل واضح إلى التزمت الخوارجي ، لديهم تطرف الخوارج ، وجهل الخوارج ، وعِناد الخوارج ، وحماقة الخوارج ، وعنف الخوارج ، بل هم خوارج صراحة ، وخاصة على مستوى الفكر ، إذ هم الذين ناصروا هؤلاء الإرهابيين بالصمت عنهم ؛ عندما كان المقام مقام كلام .

إن كثيرا من هؤلاء الذين يقمعون حرية الفكر ، ويهاجمون الشيخ : عدنان ، لم تسمع لهم كلمة حاسمة في أكبر حركة إرهابية ترعى الإرهاب ( = طالبان ) ، ولا في أكبر مجرم إرهابي (= إبن لادن ) ، ولا في أوقح وأرذل الإرهابيين سيرة (= الزرقاوي ) . فهم إما مؤيدون مناصرون للإرهاب صراحة ، وإما ناطقون بصمتهم ؛ عندما تصبح دلالة الصمت تأييدا حذرا ، تأييدا مُراوِغا يلعب بمَهَارة على سَيرك النفاق .

إن الشيخ : عدنان ، يطرح خطابَ إنفتاحٍ واسعَ الأبعاد ، قائماً على مساحات هائلة من التسامح الذي لا يستطيعه دعاة التقليد والتزمت والإنغلاق . ولهذا ، كان من الطبيعي أن يكون في نظرهم العدو الأول الذي يتهدد خطابهم ؛ لأنهم طائفيون عنصريون مذهبيون مُتعصبون ، صنعوا مكانتهم الإجتماعية ، ومجدهم الديني الموهوم ، من خلال إذكاء الصراعات المذهبية والطائفية ، وهم يدركون - في الوقت نفسه - أن أي خطاب منفتح - يسعى لتخفيف حدة هذه الصراعات بإخماد نارها من جذورها ، وليس من ثمارها فحسب - هو خطاب يتهددهم في وجودهم ؛ إذ لا وجود لهم - هوية وإعتبارا - إلا من حيث كونهم دعاة مُفاصلة وصراع وإحتراب .

إن أتباع المدرسة التقليدية المتطرفة يُدركون هذا الخطر الإنفتاحي المتسامح تمام الإدراك . لكن ، وبما أنهم لا يستطيعون أن يُبرّروا عداوتهم له بانفتاحه وإنغلاقهم ، بتسامحه وتعصبهم ، بجديته البحثية وفوضويتهم ، بإيجابيته الحياتية وسلبيتهم ؛ فقد إستخدموا الأدوات الفكرية التقليدية في تصفية الخصوم ، بكل ما في تلك الأدوات من تفسيق وتبديع وتضليل . أي أنهم يُحاوِلون أن ينقلوا المعركة من سياقها الحقيقي إلى سياق آخر ، إلى سياق يستطيعون من خلاله قلب مشاهد المعركة الفكرية ؛ لتكون مُواجهة دُعاةٍ مُحافظين ، صُلحاء ، أنقياء ، أتقياء ( كما يزعمون ! ) ، لمُفكّر مُتحرر ، لا يريد الحقيقة ( كما يزعمون ) ، مفكر لا يريد إلا نبش رُفات السابقين ، والإزراء المُتعمد بالغُرِّ المُحَجّلين .

إن التقليديين الإنغلاقيين يريدونها معركة مواقف وإنتماءات وتحالفات ، لا معركة أفكارٍ وتصورات . يريدونها إلتفافا عقائديا دوغمائيا حول مواقف مبدئية ( مزعومة ) لايمكن التفكير فيها ؛ حتى يتمكنوا من تجييش الأتباع للصراع ؛ دون أن يتركوا لهؤلاء الأتباع فرصة التفكير فيما هو محل البحث . فالتابع التقليدي كما يُراد له - هنا - هو تابع إمتثالي مُستلب إلى أقصى درجات الإمتثال والإستلاب ، بحيث لا يُطلب منه غير الإنصياع الفكري التام ، ثم أداء ما يقتضيه هذا الإنصياع الأعمى من تأييد علني ، سواء أكان ذلك بالتصفيق والهتاف والتصنيم لمقولات ورموز التيار التقليدي ، أم بالهجوم البذيء الأرعن ( = الشتائمي ) على المُخالف في كل وسائل الإعلام ، بوصف هذا الهجوم الأرعن وسيلة من وسائل الإرهاب.

بقلم الاستاذ المفكر محمد بن علي المحمود

المشروع العدناني.. ومقاومة الخطاب التقليدي

المشروع العدناني.. ومقاومة الخطاب التقليدي

 لا يخفى على جلّ متابعي الأحداث الراهنة، تحديدًا ما يجري داخل الأفق الديني، وما يتنازعه من دعوات التجديد، وإلحاحها المتزايد، حتّى إنها بلغت مبلغًا يعسر معه تجاهلها أو الإعراض عنها. فلسنا نبالغ إذا ما قلنا أنّ التهاون في شأن التجديد أو الإستهانة به، ما يكون إلا لكسلٍ أو عجز أو خوف، والعالم الربّاني الصادق يربأ عنها كلّها.

في هذا السياق تتجسّد أمامنا بوضوح قضيّة د.عدنان إبراهيم، الخطيب العلاّمة الذي شَرُفت بمتابعة خطبه ودروسه، فوجدت فيها خطابًا للعقل من العقل، قطعت به خطب الجمعة شوطًا بعيدًا عبر ربطه الديني بالتاريخي، وليس ذلك فحسب، بل إستحضاره لمقولات نفسيّة وإجتماعيّة وإغتنائه بالعلوم الطبيعيّة. فكانت خطبه ودروسه بحقّ تزهدك في متابعة غيره، فعندما يتوّجه إليك أحدهم بخطاب على مستوى عالٍ من التفكّر وتقليب الأمور، حقيقةً.. يصعب عليك -بعدئذٍ- أن تفرّط في تلك المنزلة، وتقنع بكلامٍ غالبه معاد مكرور.

ولن أزيد عمّا سبق في الثناء، وإن كنت أراني باخسة حقّ، ذلك أنّ د.عدنان إبراهيم قد شهد له من شهد، وليس في بضع كليمات أدبّجها ما يضيف إليه شيئًا -وإن يسيرًا-، كما أنّني لا أبتغي ممّا كتبت ثناءً وإطراءً، بل وقفة مع ردود فعل نشهدها منذ زمن قريب نسبيًّا، منذ إبتدأ الشيخ عثمان الخميس والداهوم وغيرهم بمناهضة المشروع العدناني، القائم على أساس راسخ ومتين.

من خلال متابعتي لردود الفعل تلك، وجدت أنّ المنكرين المناهضين لـ د.عدنان يقولون ويعيدون بأنّه يطعن في الصحابة، وصدقًا لم أقف على منكرٍ أخذ على د.عدنان غير ذلك مع أنّ له خطبًا ودروسًا كثيرة. وهنا قد يقول قائل: هل ترين الطعن في الصحابة أمرًا سهلاً يمكن تجاوزه؟!! وهذا السؤال وجّه كثيرًا لكلّ من أيّد د.عدنان، أو دافع عنه، بل حتّى من أُعجب بطرحه فقط!.

وبصدد سؤالٍ كهذا، يبدو مباشرًا ومحايدًا، بينما هو يحاصرك ويضيّق الخناق عليك، إن أجبت بلا، فإنّها تستتبع عند أولئك رفض د.عدنان وطرحه جملة وتفصيلا، ومقتضاه -كما يرون- أنّك لو دافعت عن د.عدنان وأيّدته فأنت تشاركه في طعن الصحابة!. ولا أخفيكم أنّ الإصرار على إشاعة هذه التهمة (الطعن في الصحابة) ومداولتها، يثير عندي تساؤلاً: لماذا؟!

إنّ المشروع العدناني يهدّد علنًا الخطاب الديني التقليدي، الذي ما زال يكرّس في معظمه التبعيّة والتسليم، وإن كنت لا أحبّذ التعميم، إلا أنّ قلة من الأسماء المعاصرة التي آمنت بصدق بمشروعيّة التجديد وأهميّته، قلت بصدق، لأنّ هناك من يدّعي التجديد، فيما تجديده لا يعدو واجهة شكليّة.

من هنا ولّد التهديد مقاومة، ولم تجد تلك المقاومة إلا ترديد: هذا الرافضي الذي يطعن في الصحابة. وهذه الشبهة تقف دون ذلك المشروع بما يريب الناس، فيرغبون عن د.عدنان خشية على دينهم، وقد يندفع بعضهم إلى الإنكار والمهاجمة، دون أن يستمعوا بأنفسهم إلى ما قاله د.عدنان، أو يستمعون إليه بحكم مسبق، فهم في حكم من لم يستمع!.

تعميم شبهة (الطعن في الصحابة) التي يدرك كلّ ما إستمع لـ د.عدنان زيفها وكذبها، وإختزال مشروع د.عدنان كلّه فيها مع أنّه أكبر منها، هو كلّ يستطيعه المناهضون الرافضون، وهو تشويه متعمّد يفتعله من لا يقدر على مواجهة خصمه، فيتّجه إلى نفيه وإثارة الشكوك حوله.

ويكفي أنّ نتأمل قليلاً في التركيب اللغوي لهذه التهمة (الطعن في الصحابة)، إختيرت كلمة (طعن) الموحية بخصومة ظالمة غاشمة، وجاء بعدها التعميم (في الصحابة) وهو إفتراء عظيم، ومن يستمع لـ د.عدنان يعلم أنّه ليس طعّانًا، وكلامه مقصور على بعض الصحابة لدليل ظهر له. فما بالك فيمن يقرن إليها (ذلك الرافضي)؟! فليته يعلم أنّما يعلن بها فقره، وتهافت فكره.

من يفقه المشروع العدناني يعلم أنّه عندما يعيد النظر في كثير من المسلّمات، إنّما يحوّل تراثنا وتاريخنا مادّة للإستكشاف بدل أن يستعمله سلاحًا أيدولوجيًّا. وإكتشاف التاريخ هو إعادة النظر في كثير من إشكالاته، لا سيما تلك الإشكالات التي ما تزال حاضرة في واقعنا ومجتمعاتنا المعاصرة. فهو منهج قبل أن يكون نتيجة، والأولى أن ننظر في المنهج ونناقشه لا أن نقف عند أحد النتائج، وتعميمها بطريقة أبعد ما تكون عن الإنصاف والعدل.

ومن يفقه المشروع العدناني يعلم أنّه لا يشيّد تابعين، على غرار المشروع التقليدي، فأن تعجب بطرح د.عدنان وتوافقه في منهجه، لا يستلزم منك أبدًا أن تكون موافقًا له في كلّ صغيرة وكبيرة، فهو دعوة مفتوحة لإعادة قراءة التاريخ والنصوص القرآنيّة والنبويّة. 

وحريّ بهذا المشروع أن يكون فرصة واعدة بنشر ثقافة الإختلاف والفكر الناقد، والسعي لسدّ الشقاق عبر المحاورة والمحاججة، لأنّ عصرنا بانفتاحه مؤذن بمستجدات عديدة، يستوجب علينا إحتواءها لكلي نسيطر عليها، والإحتواء يتطلب مرونة عالية لا تصلّبًا وتحجّرًا!.

لست أدعو الجميع أن يوافقوا د.عدنان، أو يقفوا في صفّه، بل أدعو إلى الإستماع إليه، بنيّة صافية، تسدّد وتقارب، أدعو إلى العدل، النظر فيما قاله ونقده، لا قذفه بالسباب والتصنيف، فكلّ يؤخذ من قوله ويرد - كما قال ابن مسعود رضي الله عنه -.

اللهم أرنا الحقّ حقًّا وارزقنا إتّباعه.

بقلم خالدة بنت أحمد باجنيد

الشيخ عدنان إبراهيم صوت ربعي بن عامر الجديد

الشيخ عدنان إبراهيم صوت ربعي بن عامر الجديد

كتب المستشار عبد الجواد ياسين في كتابه "السلطة في الإسلام : العقل الفقهي السلفي بين النص و التاريخ" يقول :(لقد فعلت السلطة كثيرا في التاريخ. و فعل التاريخ كثيرا في العقل. و بشكل مباشر، وغير مباشر صار العقل المسلم أسيرا للفعلين كليهما، لفعل السلطة في التاريخ أي " لتاريخ السلطة " و لفعل التاريخ في العقل أي " لسلطة التاريخ " فأما تاريخ السلطة فقد أورث هذا العقل خضوعا شبه كلي" للحكومة " بالمعنى المطلق، و أما سلطة التاريخ فقد أورثته خضوعا شبه كلي للماضي بالمعنى المطلق كذلك).

و يؤكد الأستاذ الدكتور محمد بن المختار الشنقيطي في كتابه "الخلافات السياسية بين الصحابة : رسالة في مكانة الأشخاص وقدسية المبادئ ". على ما يلي :(لقد نشأ الفقه السياسي الإسلامي متكيفا مع واقع القهر والإستبداد الذي خلّفته حرب "صفين" ولم يقتصر هذا التكيف على تفسير التاريخ السياسي الإسلامي، بل تجاوزها إلى النظرية السياسية الإسلامية، و هو ما يجعل المهمة اليوم عسيرة ولا بد للدارس للفقه السياسي والتاريخ الإسلامي من الإنتباه لهذه الظاهرة والإجتهاد في البحث والتنقيب لبناء صورة دقيقة لما حدث في صدر الإسلام من فتن وخلافات سياسية لا تزال تلقي بظلالها على الأمة حتى اليوم، فالبحث في هذا المجال أقرب إلى عمل علماء الأثار الذين يدرسون أطلالا دراسة عبثت بها أيدي الزمان.

ومما يزيد في عسرالمهمة الخلط الضمني بين الوحي والتاريخ في المرجعية، وهو أمر سائد في الفكر الإسلامي اليوم جراء نقص في الوعي بالتاريخ لا يميز صورته وعبرته)، ثم يضيف: (إن الإنفعال السائد في الدفاع عن السلف قد أهدرقدسية المبادئ حرصا على مكانة الأشخاص واستحال ردا للغلو بغلو مع تعميم وتهويل يساوي بين عثمان وكاتبه مروان، وبين عمار وقاتله أبي الغادية) ويزيد الأمر وضوحا: (لكن كشف فضائح المستبدين المعاصرين غير ممكن ما دام الحديث عن الإنحرافات السياسية التي بدأت في عصر الصحابة مطبوع بطابع التبريروالدفاع لا بطابع الدراسة المجردة الهادفة إلى الإعتبار، وما دام الحديث عن تلك الفتن والخلافات السياسية يتحكم فيه فقط فقه التحفظ لا فقه التقويم، ذلك أن من طبيعة المبدأ الأخلاقي العموم والأطراد، فليس من الممكن تحريم الظلم السياسي على الخلف وإباحته للسلف دون الوقوع في تناقض فكري وأخلاقي). 

وبنفس التشريح المنهجي والفهم الألمعي تزيدنا إسهامات الشيخ الدكتورحسن بن فرحان المالكي تدقيقا، فيقول في كتابه "الصحبة والصحابة": (وكانت السياسية تلعب أيضا الدورالأكبر في توسيع الفجوة بين علماء المسلمين وعوامهم ولم يكن الساسة يشتهون الفرقة بين المسلمين لمجرد الإفساد بينهم، ولكن كانت لهم مصالح في تأييد هذه الجماعة أو تلك ومنها إظهار الحاكم نفسه بمظهر الحريص على سلامة العقيدة والحامي لها من الطوائف الأخرى، فلذلك شكل مغفلو الصالحين والعوام الساعد الأيمن لكل سلطة تستغل هذه القضية على مر التاريخ....وقضية الصحابة من القضايا المستثمرة في تصفية الخصوم أوكبتهم أو التضييق عليهم أو التشكيك في عقائدهم وتنفير الناس عنهم ومن علمهم دون النظر إلى حججهم وأدلتهم).

ف(التاريخ الإسلامي مبتلى ببعض العلماء الذين يجازفون بإصدار الأحكام المستعجلة حول الأحداث والمواقف والشخصيات والنتائج متناسين الطريقية الصحيحة والمثلى في البحث عن الحقيقة، ذلك البحث الذي يحترم العلم، ويلتزم النقل الصحيح، ويحترم العقل، ولايهمل الإستيفاء في جمع شتات المادة العلمية من مختلف المصادر، ثم يتبع ذلك بتصنيف هذه المادة من حيث القبول أو الرد...) يوجه الشيخ المالكي في كتابه "نحو إنقاذ التاريخ الإسلامي".

مع كل ما سبق يأتينا صوت الشيخ عدنان إبراهيم بشكل إجرائي ونحن وسط محميات الفكر النمطي التي أقامتها السلطة "والإكليروس" المحسوب عليها ليخاطب فينا مفارقات تصوراتنا، وتناقضات ما إنطوت عليه أفهامنا ورفعناه إلى رتبة المسلمات على الرغم مما تثيره في داخلنا من قلق وحرج بحكم تعارضها مع أساسيات الشرع والمعلوم منه بالفهم البسيط، لكننا كنا نمنع أنفسنا حتى من مجرد التفكيرفيها تحرجا من الشرود عن حياض الشريعة، والتولي عن سبيل المؤمنين، فجاءنا صوت الشيخ عدنان ابراهيم ليخرجنا من الخضوع لأقوال الرجال إلى الخضوع لأقوال رب الرجال، ومن ضيق الفهم ونمطيته إلى سعة التدبر ورحابة التفكر، ومن فعل التاريخ "المؤدلج" فينا إلى الفعل والحركة المتحررين إلا من توجيهات الشرع وهديه، إنه صوت لا يتنكر للأصيل ولكنه يرجع البصر فيه كرات ليكشف دعائمه وركائزه، ويزيل عنه تفطراته وسقماته.

إن أهمية الشيخ عدنان بسعة علمه، وغزارة منهله، واندياح تفننه في علوم شتى مع القدر الكبير على الجمع والترتيب والتأليف والتنسيق والربط في سلك محبوك، وعقد مسبوك، أنه يعيد إلينا حاسة الفكروالتدبر، ويرجع إلينا ذواتنا التي سلبت، فأسلمنا قيادنا إلى غيرنا، يقول إبن الجوزي: (إعلم أن المقلد ليس على يقين فيما قلد، لأن في التقليد إبطالا لمنفعة العقل وهو خلق للتدبروالتأمل، وقبيح لمن أعطي شمعة أن يطفئها ويمشي في الظلمة)، إنه أي الشيخ عدنان يداوينا من داء "الإغتراب الزماني" حيث نحيى حاضرنا بأجسادنا وأزيائنا ولكن بأفهام من سبقونا، إنه صوت ربعي بن عامر من جديد حينما تستمع إليه وهو يحيلك بغزارة إلى المصادر والمراجع تستنتج أنه لا يجعل من نفسه ما إنتقد فيه غيره، إنه لا يفكر لنا، وإنما يدعونا إلى أن نفكر معه.



بقلم الاستاذ الداعية نبيل صبحي 

عن المدون

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

أرشيف المدونة