بداية على كل المُتساءلين عن سر وجود هذا العدد من المهتمين بما يطرحه عدنان ابراهيم أن يعرفوا أولا أننا هنا لا ندافع عن شخصه، نحن ندافع عن خطاب عقلاني احترم إنسانيتنا فاحترمناه. وأظن بأننا جميعا نتفق بأن التقليد و الاكتفاء بالترديد لم يكن يوما يجدي نفعا، بل البحث الصادق والاختيار عن اقتناع هو ما يجب علينا جميعا فعله، لأننا سنُسأل .. أفرادا!
اعتدنا على أن نفكر ونسأل و نحلل حتى نفهم ما ندرسه في الجامعات.. ثم حين يأتي ما يتعلق بالدين نُطالب بتعطيل عقولنا ونمنع من السؤال من النقاش من التفكير! ونُخاطب بتلك الخطابات الدينية العاطفية ذات التأثير اللحظيّ، التي قد نبكي حين سماعها، ثم ما هي إلا سويعات أو ربما دقائق حتى يُلغى تأثيرها ونعود لقسوتنا و ماديتنا و تعلقنا بدنيانا!
ثورات معرفية تتفجر، وتتسابق الأمم وتتطور، ونحن نسير ببطئ شديد، و تخلّفنا يتضح أكثر فأكثر كل يوم، ثم يُقال لنا: أنتم بخير، وتذكروا بأن لهم الدنيا ولكم الآخرة! تلك الجمل المُخدّرة التي لا تدعو إلى الكسل فحسب بل إلى اليأس وانتظار الموت! فتثور داخلنا مئات الأفكار وتتولد فينا آلاف الأسئلة، ونتناقض بشكل مزعج، فننفصل عن حقيقة ما نفكّر به وما نشعر به، لأننا نُجبر على حبس كل ما فينا باسم الدين.
نحبّ الله تعالى، نحبّ الرسول صلى الله عليه وسلم، نحب الدين ونحتاجه، نريد أن نكون كما يريدنا الله، لكننا لم نعرف كيف نخالف فطرتنا، لم نعرف كيف نتجرد من إنسانيتنا، لم نعرف كيف نعطّل لدينا ملكة التفكير! والخطاب الديني الموجّه لنا كان لا يهدئ عقولنا و لا يعيد لها اتزانها! فاتضح الخلل بين ما نمارسه باسم الدين و بين ما نمارسه في حياتنا اليومية!
الإسلام دين الحوار والسلام والتسامح و..، الكثير من الأوصاف الجميلة التي يُحبّها القلب السليم، تُردد في الخُطب الأسبوعية. و نرى على أرض الواقع ما يتم من حوارات مع أصحاب الديانات الأخرى.. لكن المسلم المختلف، فورا يُكفّر! وعند أي حدث تشتعل الدنيا بين الأطراف .. كالنار تحرق كل ما تلقاه أمامها .. ونجد من كان يُردد أسمى المعاني التي حثّ ديننا عليها يهاجِم ويَلعن ويكفِر مخالفيه بكل جرأة! ندّعي أننا نريد الوحدة، لكننا نُمارس ما يبعدنا عنها آلاف الخطوات! يُرددون أن الله تعالى لو شاء لجعلنا أمة واحدة، لكنه سبحانه كتب لنا الاختلاف .. ثم عقولنا تترجم: يستحيل أن نتشابه، مما يعني أنه لا حل إلا التسامح! لكن هذا على أرض الواقع مرفوض .. لأن المسلم الآخر ببساطة يُكفّر! صاحت العقول وكادت تُجن ولم تجد لدى كل هؤلاء ما يمكن أن يُقبل.
ثم ظهر لنا من أتى بخطاب عقلاني منصف متسامح عادل لم نعرفه من قبل، أتى من يقول أن المسلم أيا كان مذهبه أو طائفته عليه إن كان صادقا أن يبدأ بنفسه، عليه أن ينتقد نفسه ليصلحها! أتى من يقول علينا أن نحترم كل مسلم على أي مذهب كان، وعلينا أن نصحح أخطاءنا وعليهم أن يصححوا أخطاءهم، على المنصف العادل من كل مذهب أن يبدأ بنقد ماهو عليه، ثم ينتقل لغيره.
بعد أن كانت أمور مثل السواك والوضوء و اللحية ترتبط لدينا بالدين، صارت معانٍ مثل .. الحرية .. الإنسانية .. العشق .. الجمال .. بنظرنا من أساسيات الدين! كنّا نُدرس الفيزياء والكيمياء والرياضيات والفن و ..الخ باعتبارها علوما دنيوية، فجاء من قلب مفاهيمنا وزلزل ما لدينا من أفكار، ليدهشنا بتحليل وتفسير عميق لم نعهده ربط كل هذه العلوم بطريقة ما بالدين!
أرانا بخطابه العقلاني أن ما نحن فيه من معاناة نعيشها باسم الدين، لا ترضي الله سبحانه وتعالى! وأن الله عز وجل يريدنا أحرارا نفكّر ونعقل! أتانا بخطاب يقول للعقل لا تتعطل وللقلب لا تتوقف! أرانا أن العشق رأس مالنا، وأن دموع الرحمة أنبل ما فينا، وأن الإنسان الحر المفكّر هو الذي يريده الله لا المقلد الجاهل.. ! قال لنا أن من لا يُخاطب عقولنا يُهين ذكاءنا وإنسانيتنا!
أتانا من قال ابحثوا عن الحقيقة التي هي أجمل من الحور العين، ألهمنا و فجّر فينا عشقا كان يسكننا بصمت لما يُسمّى بـ الحقيقة! حتى صرنا نجد أنفسنا من أي نقطة نبدأ نصل لطريق نبحث فيه عن الحقيقة..عن الله! هذا الخطاب الذي احتوى الإنسان فينا!
كيف لا ندمن خطاب هذا الرجل الذي أيقظنا حين صاح بحرقة: يا أمة كفاك جهلا..! أمسك بالجرح وضغط عليه بقوة .. وقال تألمّوا ، هنا الخلل .. عالجوه لتنهضوا! وضع مرآة الحقيقة أمام أعيننا .. وقال: انظروا هذه هي حقيقتكم، اعترفوا .. اقبلوها .. واجهوها.
انقدوها وتحرروا من جهلكم، تحرروا من عبودية التقديس .. فالمستقبل ليس للقطيع، ليس للعبيد .. المستقبل للأحرار ..!
بعد كل هذا يُقال للشباب لا تستمعوا لعدنان ابراهيم، لا تصلوا خلفه، هو جاهل بالدين، هو زنديق، هو يسب الصحابة، هو هو هو .. وكثير من التهم التي لم تعد تُقبل، هذا جيل يرى يسمع يحلل يفهم ثم يحكم!
على المشائخ والعلماء الذين يدعون خوفهم على الشباب من هذا الرجل ومايطرحه، أن يحترموا العقول ويتحدثوا بعقلانية و بالأدلة والبراهين كما يفعل عدنان ابراهيم! ادخلوا يوتيوب واقرؤوا تعليقات المشاهدين، اقرؤوا لمن يقسم بأن ما يطرحه هذا الرجل جعله يعود للدين بعد أن قارب أن يلحد، اقرؤوا لمن يقول لم أكن أحب الدين كما أفعل الآن، كيف لا يطمئن الشباب لعدنان ابراهيم الذي دائما يقول لهم تجرؤوا على استخدام عقولكم! هذا الرجل الذي يقول اقرؤوا وتعلموا حتى لاتخدعوا! لا تسمعوا لعدنان وحده كونوا مستقلين! وانتقدوني حين أخطئ وأخدع وأدلس! هذا الرجل الذي لم يتباكى حين أخطأ شاب وأساء الأدب مع رسول الله، بل فورا بدأ بالعمل، وسجل سلسلة عن الإلحاد، هذا الرجل حين اتهم أنه كاذب لأنه تحدث عن معاوية قام بتسجيل سلسلة شبهات وبينات يرد فيها بالأدلة والبراهين! هذا الرجل قال لمخالفيه ناظروني يا إخواني واعرضوا أدلتكم وإن تبين لي أني على خطأ سأعود عن كل ما ذكرت لكن لم يتقدم لمناظرته أحد!
فلا تلوموا الشباب لأنهم وجودوا في هذا الخطاب ما يطمئن قلوبهم الحائرة وعقولهم الثائرة!
لاتلومونا ولوموا أنفسكم!
بقلم سنا يحي بن الشيخ