بدءا ، اتمنى مخلصا على كل من لا يروق له الطَرقُ على ابواب التاريخ الاسلامي الذي يعده البعض قمقمَ فتنٍ وعَيبةَ خلاف ، ان يتجنب قراءة هذا المقال ، والاكتفاء بقراءة عنوانه العريض الذي لا بد انه يشي بما يخفي بين سطوره . قلت واكرر ان لا كثير السباب ينقصني شيئا أتوافر عليه ، ولا سيل المديح يضيف لي خيرا حرمني الله منه بفضله وحكمته . ولولا زهو مقيت في بيت الجواهري ” كم هز دوحَك من قزم يطاوله … فلم ينله ولم تقصرْ ولم يطلِ” لتمثلت به.
ولعلي ساوفر على البعض سؤالي عن اجر مدفوع عن هذا المقال ، اقسم بالله العظيم ان الدكتور عدنان ابراهيم دفع لي اجر هذا المقال وسواه اضعافا مضاعفة دون ان اراه او يراني . ومكافأته لي سبقت كتابتي هذه السطور ، اي انني استلم مقدما وبكل شَـرَه . اقول … عندما يتابع الآلاف وقائعَ مناظرة غير مباشرة بين معنيَيّنِ بالشان الاسلامي المشحون فان هذا لدليل دامغ على اهمية المتناظرين واهميةِ الشان المتناظَرِ فيه ، وانا احد هؤلاء الذين يحرصون كل الحرص على عدم التفريط بمثل هذه الاحتكاكات التي تولد طاقة، ارى انها ستبعث بصدور النشء الجديد حبَّ الاستطلاع والفضول والتشبث والاستكشاف . ولا يساورني ادنى شك في ان بمثل هذه الاحتكاكات تهبُّ الشعوب من منيتها وتستيقظ الامم من رقدة العدم كما يقول امير الشعراء رحمه الله في نهج البردة.
لا انوي الخوض في تقويم حجج الطرفين ، فذاك لا يدخل في دائرة اختصاصي البتة، لكن ما اريد تسليط الضوء عليه في السطور القادمات اللغة التي اعتمدها الطرفان في توصيل ما يعتقدان به لجمهور طويل عريض غالبيته متعطشة لترى اي الفريقين ابلغ حجةً واوسع علما ً. على اني اجد لزاما عليّ ان اذكـّر بانني بسبب تقادمي في العمر ، حيث تجاوزت الخمسين ، شهدتُ وشاهدت الكثير من الحوارات التي بَحثتْ في اغراض شتى ، فصادفت مفوها مقنعا لكن ليس له نصيب قليل او كثير من العلم او الحق ، وآخر يمتلك ناصية العلم والحق لكنه عاجز عن الاقناع والتعبير والتاثير ، فيغلب الاولُ المفوهُ الثانيَ المحق َ العييَ ، والمشكلة هنا تتمثل في عجز واضح وفاضح في ادوات نقل الفكرة ، والنتيجة ان الحق سيُركل بالاقدام اذا ما تصدى له من يفتقر الى وسائل الدفاع عنه.
ما جرى في “شبهات وبينات” ان الله سدد رمية صاحب الحق بلغة تقارب تخوم السحر في تاثيرها وانسيابيتها ، وهي الميزة التي فقدت تماما في الجانب الاخر، واعني بها الحقَّ ومَلَكةَ الدفاع عنه. ولا بد من الاشارة هنا الى ان الفريق الاول المتمثل بالشيخ عدنان برز الى ساحة المنازلة لمفرده سلاحُه اسفارٌ لا يشكك بصدقيتها الا من يشك بنفاق وبغي معاوية بن ابي سفيان ، فيما حشد الطرف الاخر عددا من الرجال الذين لا اشك في اخلاصهم لمعتقدهم ، منطلِقا من “ليس من طلب الحق فاخطأه كمن طلب الباطل فاصابه – عليّ ”.
دعونا الان نلقي ولو نظرة خاطفة لاسلوبين متنافرين استخدما لغة واحدة هي العربية وهي لغة القران العظيم للتعبير عن الافكار والاراء . ومن الطبيعي ان محور الحوار هو في اغلبه ديني تاريخي ، وان كان الجانب الاخر كان يصر على تحويله الى معركة شخصية كما سنرى . وفي حوار كهذا يفترض بان يصان ادب الحوار بحدودهه القصوى لان الافتراض المبني هو ان المتحاورين رجالُ فضلٍ وفضيلة امضوا جل سنوات اعمارهم والقران الكريم اما مفتوح امامهم اويشنف اذانهم اويتلونه آناء الليل واطراف النهار في صلواتهم الواجبة بخشوع مفترض.
فما الذي جرى حقا ؟ ما جرى انني تابعت الحلقة الاولى “اقل من اثنتي عشرة دقيقة” التي استضاف بها المقدم نواف السالم كلا من الشيخين عثمان الخميس ومحمد الداهوم وسمعت منهم هذه العبارات عندما كانوا يتحدثون عن الشيخ عدنان ابراهيم ، سادرجها مع تعليق مختصر على كل عبارة ما امكن المقام : “حرب بين اهل السنة والمبتدعة” مصادر الشيخ عدنان كلها من كتب السنة والجماعة . “نزل العلماء الربانيون يقارعون الحجة بالحجة ، فيطمسون الباطل ويرفعون راية الحق ” اقسم بالله العلي العظيم انني لم اسمع اي حجة في حديث الثلاثة واذا كان ثمة شيء مطموسا فهو ما زعموا بانها شبهات . “ظهر بالاونة الاخيرة رجل او شخص يعيش في دول الغرب ” هل اكثر من عقد ونصف يعتبر الاونة الاخيرة ؟ وليت شعري هل العيش في دول الغرب مثلبة ؟ افتونا مأجورين.
اقرأ معي “مسكين – الجاهل – المتعالم – الضال – نباح – عويل – الدعي – نبح الكلاب – يبقى الكلاب كلابا – المدعو عدنان ابراهيم – نكرة – بغى وتعدى الحدود – يجب ان يلزم نفسه – لا نعرف عنه شيئا – يمول باموال ينبغي ان ينظر فيها – بئس الشهرة ان تشتهر على باطل – يسب خيار الامة – ليس لديه مشايخ في العلوم الشرعية – ليست له جهود كثيرة سوى المركز – منهج التلبس بلباس السنة والجماعة – تقرير مذهب الرافضة ” بالله عليكم هل هذه لغة مشايخ اصحاب رسالة ؟ ام لغة اصحاب الرايات في الجاهلية ؟ لو اردت ان ارد على كل واحدة من هذه الاساءات المضحكة المبكية فساحتاج الى تاليف سفر عظيم ، لكني ساكتفي بالتساؤل عما اذا كان مشايخنا هؤلاء سمعوا بالأية الكريمة (( وجادلهم بالتي هي احسن)) أم لا ؟ اغلب الظن ، ان الجواب سيكون “لا” كبيرة.
اما في الجانب الاخر فقد رصدت للشيخ عدنان ابراهيم في محاضرته الاولى للرد، تكرار الدعوات بالاصلاح لنفسه وللمشايخ الثلاثة نحو ثلاثين مرة وقد تضمنت المعاني التالية ” بارك الله فيهم – اخواني المشايخ – يغفر الله لي ولهم – اصلح الله احوالنا واحوالهم – لا يسعدني ان يعذب الله مسلما بسببي – لا احب ان اكون شؤما – دعوات جماعية بحسن الخاتمة – فضيلة الشيخ – رحمه الله – غفر الله له ” . اتساءل الان اذا وضعنا هاتين اللغتين امام اي شخص يمت للانسانية والضمير والذوق العام بادنى صلة ، ترى اي كفة سيرجح على الاخرى ؟ حقا انه بون شاسع ، بين ان تستمع الى مَن يذكرك بمكر معاوية وعتو يزيد وبطش صدام وعنف السيارة المفخخة وبشاعة الانتحار وسوأة التكفير وجريمة التفسيق ومنظر قطع الرقاب ونفاق ابن سلول ووحشية شمر بن ذي الجوشن ودناءة عبيد الله بن زياد وتفاهة التنطع بالكلام وعفة سجاح ودجل مسيلمة وومهاوي الجحيم ، ومرارة الحميم والغساق وسرابيل القطران ، وتصغي الى آخر فيذكرك بصدق ابي ذر وشجاعة عمار واقدام المقداد وجرأة الاشتر واباء الحر بن يزيد الرياحي وعظمة ابي الاسود الدؤلي وفطنة الفراهيدي ورفعة الشافعي واضرابهم
اُشهد الله – وكفى به شهيدا – انني لم استمع لمحاضرة او خطبة للشيخ عدنان ابراهيم الا وخرجت منها بصيد ثمين . وهذا الصيد اما ان يكون جديد في قاعدة نحوية ، او اشتقاق لغوي ، او انتباهة في التفسير ، او عنوان كتاب لم اسمع به من قبل ، او اسم مؤلف حجبه عني جهلي به ، او معلومة تاريخية او بيت شعر في الحكمة.
ألم اقل في البدء اني اقبض اجري من الشيخ عدنان اضعافا مضاعفة . فانظروا يا مشايخنا يا صيارفة الشبهات المعلبة، ماذا تعلّم منكم المصغون اليكم ، فكله بادق تفاصيله مسطور في كتاب لا تعزب عنه صغيرة ولا كبيرة ، ولترونه يوم القيامة مهطعين تودون لو ان بينكم وبينه بُعـْدَ المشرق عن المغرب وانى لكم ذلك.