ثارت في الآونة الأخيرة زوبعَة ضِد الدكتور عدنان إبراهيم. هذه الزوبعة أثارَها رجلٌ ما على قناةٍ ما. وتأثر بِها بشكل ملحوظ على ما يبدو عدد كبير من تلاميذ (أو ممن يدَّعون أنهم تلاميذ) الدكتور عدنان.
نحنُ لم ولن نذكُر إسم ذلك الرجُل، لا لأننا نريد أن ننتقص منهُ أو أن نسيء إليه (كما يفعل هُوَ). ولكن لأن الأسماء هُنا لا تُهِمُّنا كثيراً. ما يُهمنا في الحقيقة هو شيء مختلف تماماً وأكثر عُمقاً، ألا وهُو حقيقة أننا ما زلنا نعاني من الجَهل المُقدَّس والإصرار على السَّطحية.
الذي أثارني واستدعى استغرابي الشديد هُوَ أنَّ الفيسبوك قامَ، إن جاز التعبير، على الدكتور عدنان بسبب "شهادة الدكتوراه" التي حصَّلها عام 2014. ولفرط السطحية والهشاشة، فقد ثارَت أفواه وأقلام بعض "تلاميذهِ" بالشجب والاستنكار لهذه الشهادة، لا اعتراضاً على فحوى رسالتها، بل اعتراضاً على تاريخ صدورها!! فكأن لسان حالهِم يقول: "يا ويلنا! هل يُعقل هذا؟ عدنان إبراهيم لم يكُن دكتوراً قبل 2014؟!! مصيبة! إذاً علينا أن نلقي كل الذي استفدناه منه قبل 2014 في البحر!!"
طبعاً، قد يُخيَّل للقارئ الكريم أنَّ عدنان إبراهيم (وسوف نحذف كلمة دكتور عمداً!! فهي شكليَّة لا تعنينا في حديثنا) قبل عام 2014 لم يكُن شيئاُ مذكوراً! ولكن الحقيقة أنَّ عدنان إبراهيم قبل عام 2014 قدَّم لنا مجموعة هائلة من أعظم الانتاجات التي أفادتنا وأزالت عن أعيننا غشاوة الجهل وجعلتنا تلاميذه. قبل 2014 أتحفنا عدنان بسلسلة الفلسفة الصوتية والمصورة، وسلسلة المطرقة، والغزالي، ومعاوية، ومجموعة عظيمة من المحاضرات عن مواضيع كثيرة جداً، منها: النظرية النسبية، ميكانيكا الكم، علوم المنطق، علم الحديث، علم التربية، الأدب، العلوم الشرعية، الفقه، التفسير، العقيدة، السياسة والتاريخ وكل محاضرة من هذه المحاضرات تتجاوز مدتها الساعتين والثلاث ساعات. وغيرها الكثير والكثير من الخُطب الجمعية الغزيرة معرفيا والممتدة منذ عام 1993 تقريبا وحتى الآن!
كل هذه الإنتاجات الكبيرة والتي غيَّرت عددا هائلاً من الشباب ودَلَّتهُم على الطريق القويم والمنهج الفكري السليم، لم تشفع للمسكين عدنان إبراهيم أمام تلك الدَّعوى الفارغة المتعلقة بتاريخ شهادة الدكتوراه التي قدَّمها ذلك الرجُل!
ولصدمتنا، رأينا الكثير من التعليقات المصدومة على صفحات عدنان في الفيسبوك، والتي تكاد تستغيث بعدنان كي يردّ على هذا الادعاء!! لماذا كُل هذا؟ ولنفرض جدلاً أن عدنان إبراهيم لم يحصّل أي شهادات علمية أصلاً، فهل هذا يزعزع ثقتنا بغزارة علمِه وجدارة طرحِه؟!
والصدمة الكُبرى هُنا، هي أنَّ رسالة الدكتوراه هذه تمَّت منذ عام 2014 وتقريبا لا أحد ممن يدعون أنهم أحباب وتلاميذ عدنان سأل عنها أو قرأها ونقَدَها أو حلَّلها واستفاد منها! بل لم تلقَ هذه الرسالة وفحواها أي اهتمام! تاريخُ صدورها فقط هو الذي أثار الرعب في صدور "العدنانيين"!!
هذا الأمر للأسف، يدل على أنَّ العقلية المُستَعبَدة الهشَّة لا تزال تلبسُنا على الرغم من كل ما قدَّمه ويقدِّمه لنا عدنان من إنتاجات تنويرية! عدنان إبراهيم حاوَل مأجوراً ومشكوراً أن يُزيل عنا غشاوة الإستعباد والهشاشة والسطحية في التفكير، ولكن أكثرنا يأبى إلا وأن يتمسَّك بكُل ما أوتي من ضَعف باهتزازهِ وتبعيَّته الفكرية!
لكن .. رُبَّ ضارة نافعة!
هذا الحَدَث بالذات أفادني جداً، رغم مأساويَّتِهِ، وأثبتَ لي أن كثيراً جداً ممن يدَّعون أن عدنان إبراهيم حرّرهُم من انغلاقيتهم، ما هُم في الحقيقة إلا ذات الأشخاص المنغلقين! ولكن الفرق أنهم بدَل أن ينغلقوا على شيخ من شيوخ السلفية مثلاً، انغلقوا على عدنان!! وهذا ما رفضَهُ عدنان وحذر منه منذ البداية، وشواهِد رفضِهِ كثيرة.
عدنان إبراهيم يريد من متابعيه أن يخرجوا من صندوق التبعيَّة الأسود وأن ينعموا باستقلالية فكرية وعقل ناقد متماسك وقوي. لكن يبدو أن هذا الأمل لم يتحقق إلا مع قلة منزورة.
المُشكلة ليست في أنَّ عدنان حصَّل "شهادة الدكتوراه" قبل سنة أو سنتين، أو لم يحصِّلها من الأساس، بل المُشكلة تكمُنُ في أننا اعتبرنا أن هذه مشكلة أصلاً!!
المُشكلة هي أننا اتخذنا "عدنان" منهجاً! ولم نتخذ من منهجه الفكري بوصَلةً تُرشدنا إلى منهجِنا الفكري المستقل المتماسك. وبذلك فإننا لا نفترق أبداً عن أولئك الذين ننقُد انغلاقهم وهشاشتهُم. هُم منهجُهم عبارة عن مجموعة "شيوخ"، ونحنُ منهجُنا عبارة عن "عدنان"!! لذلك أصبح عدنان، أعانهُ الله، مَنكوباً بين مطرقة مُبغضيه، وسندان مُحبيه المُستعبَدين فكرياً له!!
مُشكلتنا التي حاوَل عدنان بأقصى جهده أن يحلَّها ويخلصنا منها هي أنَّ عقولنا ما زالت ضعيفة وهشَّة، تقذفها الريح أينما شاءت. فما زلنا نسمع نداءات استغاثة من هُنا وهُناك: "يجب أن يرد عدنان على هذا الكلام المُقنع جدا!" ... " أريد أن يطمئِن قلبي، أريد رد عدنان" وهلما جرا! نُريد أن يريحنا عدنان بردّ شافٍ! نريدُه أن يُغني لنا "يلا تنام .. يلا تنام" كي تقرّ أعيننا!!
ألم يأنِ لنا أن نخرج من صندوق الأشخاص إلى فضاء الاستقلالية الفكرية الواسِع؟!
أخيرا .. أسجِّل أنني ضد فكرة أن يردّ عدنان على قِيل من هُراء في حقِّهِ. وعلينا جميعاً أن نُقلِّب نحنُ الكلام، ونُوازن، ونبني أحكامنا وآراءنا المُستقلة تجاههُ وتجاه أفكارِهِ وأطروحاتِهِ هُو وغيره.
كفانا لعِبا! كفانا عبوديَّة!
وأكرر هُنا كلمة عدنان:
"المستقبل للنابهين،
المستقبل للأحرار،
المستقبل ليس للحمقى ولا للعبيد".
بقلم : عماد العتيلي