باقى من الوقت

تحذير كبار أهل الحديث من فتنة الحديث!

تحذير كبار أهل الحديث من فتنة الحديث!

مثلما عاد بعض المتكلمين عن الإيغال في علم الكلام،فقد فعل كبار أهل الحديث الشيء ذاته واكتشفوا ضرره وهنا سأسرد شواهد من تلك الأقوال لكبار أهل الحديث من شيوخ شيوخ أهل الصحاح، أي أنهم المحدثون المؤسسون للرواية والجرح والتعديل فما أقوالهم؟

سفيان الثوري - كبير أهل الحديث وقرين شعبة- توفي 161هـ وهي سنة مولد أحمد بن حنبل، يقول كما في جامع بيان العلم لابن عبد البر - (ج 3 / 257)
- بسند ابن عبد البر إلى سفيان الثوري - قال: (لو كان في هذا الحديث خير لنقص كما ينقص الخير ولكنه شر فأراه يزيد كما يزيد الشر)! وصدق سفيان!

فقد أصبح الحديث شغل الناس الشاغل، حتى العامة تجدهم يقولون ( في حديث يقول كذا وكذا) ولا تجده يسأل عن آية قط الهوس بالحديث له دفع شيطاني.

وقد رواه ابن عبد البر بسند آخر عن حماد بن زيد، قال: قال لي سفيان (يا أبا إسماعيل ، لو كان هذا الحديث خيرا لنقص كما ينقص الخير)! فاحفظوه وقال أبو خالد الأحمر - وهو من رجال الكتب الستة- توفي نحو 188هـ يصف ضرر الحديث وصفاً مخيفاً كما روى ابن عبد البر في المصدر السابق بقوله: (يأتي على الناس زمان تعطل فيه المصاحف،لا يُقرأ فيها،يطلبون الحديث والرأي، ثم قال: إياكم وذلك، فإنه يصفق الوجه ويكثر الكلام ويشغل القلب)! وصفاقة الوجه هي الوقاحة كما في تاج العروس ( 1 / 6429): (وجْهٌ صَفيقٌ بيّن الصَّفاقَةِ أي: وقِح)! والمشتغلون بالحديث يظهر فيهم هذا فعلاً. فهم يفرطون في الثقة بالوهم ويجادلون بجهل ويقبلون بفراغ قلب ويدبرون بحقد أعمى مع قلة عقل وسوء خلق وتعاظم وغرور.. نعوذ بالله من الجهل.

وفي أهل الحديث قلة يقدمون القرآن على الحديث ويعرفون أن معظمه معلول، ويضعونه في مكانه المناسب فلذلك تجدهم ذوي أخلاق وسكينة وفضل وعلم. ولكن الجهلة يغترون بذكر بالحديث والتفاخر به والدوران حوله مع هجر تدبر القرآن، وكأن القرآن ليس نوراً وإنما ما دونه فلان وفلان هو النور!

وهذا الضحاك بن مزاحم (توفي بعد 100هـ) من رجال السنن، يقول - كما ذكر ذلك بإسناده ابن عبد البر في جامع بيان العلم ( 3/ 271) يقول: (يأتي على الناس زمان يُعلّقون المصحف حتى يعشش فيه العنكبوت، لا ينتفع بما فيه ، وتكون أعمال الناس بالروايات والحديث) اهـ وصدق رحمه الله! ويقول سفيان الثوري أيضاً - جامع بيان العلم (3/ 273) بسنده عن الثوري قوله: « ليس طلب الحديث من عدد الموت، ولكنه علة يتشاغل به الرجل »والثوري يتمنى أنه ينجو منه عندما يقول: (أنا فيه، يعني الحديث، منذ ستين سنة، وددت أني خرجت منه كفافا لا لي ولا علي » اهـوقول سفيان - وهو في جامع بيان العلم 3/ 274- أصرح من تلك الأقوال المنسوبة للرازي والشهرساني في ترك علم الكلام، فلماذا يكتمون هذا الرجوع؟

أعني هم علمونا أن أهل الكلام رجعوا عن الكلام في أواخر أعمارهم وذموه، فلماذا لا يعلموننا أن كبار أهل الحديث أيضاً رجعوا عن الحديث وذموه؟خاصة وأن تلك الأسانيد متعددة ورووها هم، وهناك لفظ آخر للثوري يقول (« ليتني انقلب منه كفافا لا لي ولا علي » وهذا يعني غلبة الشر في الحديث وهذا قاله سفيان بعد أن وصل الغاية كما قال : « ما تريد إلى شيء إذا بلغت منه الغاية تمنيت أن تنقلب منه كفافا » - المصدر نفسه والموضوع نفسه.

وهذا يحيى بن سعيد القطان - شيخ أحمد وابن معين- يقر بأن رواية الشعر أفضل من رواية الحديث، لأن أهل الحديث يروون الكذب ولا يميزون. ففي جامع بين العلم ( 3/ 275) بسنده عن يحيى بن سعيد القطان قال: ( رواة الشعر أعقل من رواة الحديث ، لأن رواة الحديث يروون مصنوعا كثيرا، ورواة الشعر ساعة ينشدون المصنوع يتفقدونه ويقولون : هذا مصنوع) وهذا صحيح فهم يتفاخرون بالحديث وتصرفهم فتنته ويلهيهم عن القرآن والذكر.

وقال عمرو بن الحارث - من رجال الكتب الستة - (« ما رأيت علما أشرف ولا أهلا أسخف من أهل الحديث » - جامع بيان العلم 3/ 285) وهذا صحيح. وهذا مسعر بن كدام من أوائل أهل الحديث كالثوري وشعبة يقول: (ووددت أن هذا العلم كان حمل قوارير حملته على رأسي فوقع فتكسر فاسترحت من طلابه) وهذا سفيان بن عيينة شيخ أحمد وطبقته لما رأى طلبة الحديث عنده قال: (أنتم سخنة عيني لو أدركنا وإياكم عمر بن الخطاب لأوجعنا ضربا » وهذا مغيرة بن مقسم الضبي - من رجال الكتب الستة- يذم أهل الحديث بقوله (والله لأنا أشد خوفا منهم مني من الفساق » يعني أصحاب الحديث) اهـوهذا أمير المؤمنين في الحديث شعبة بن الحجاج يحكي تحول موقفه ورجوعه عن الحديث كما رجع قرينه سفيان الثوري بعد أن رأى فساد أهل الحديث فيقول: قال شعبة « كنت إذا رأيت أحدا من أهل الحديث يجيء أفرح، فصرت اليوم ليس شيء أبغض إلى من أن أرى واحدا منهم » - جامع بيان العلم 3/ 285 بسنده-وهذا الشعور الذي ذكره شعبة هو عندي الآن نسبياً كنت أحضر دروس الحديث وأفرح بهم، ثم الآن لا أحبهم لأنهم مفتونون به عن كتاب الله وعن العقل.

ويصيبك هذا الشعور بعد أن تعرف أن معظم الحديث الذي يدور على ألسنة أهل الحديث هو من انتاج الشيطان وأولياؤه لمزاحمة القرآن وعزله والكفر به.

فغلاة أهل الحديث يكفرون ببعض القرآن لا محالة، وينتقصونه، ويستصغرونه، ويأطرونه على طريقهم أطراً، ويخضعونه إلى رواياتهم قسراً، فتباً لهم. نتجنب ذكر الأسانيد -للاختصار - وخذوا على سبيل المثال هذا القول العجيب لشعبة وبالإسناد، ففي جامع بيان العلم لابن عبد البر - (ج 3 / ص 286) أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال: أنا قاسم بن أصبغ، ثنا أحمد بن زهير قال: حدثنا عبيد الله بن عمر قال: نا يحيى بن سعيد القطان قال: سمعت شعبة يقول: « إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة، فهل أنتم منتهون» والسند صحيح غاية وصدق شعبة رحمه الله، لكنهم لم ينتهواوأبقوا الحديث مرفوعاً على القرآن، محاصراً لهديه، معاكساً لمبادئه، يزرع خلاف ما يزرعه القرآن، من تواضع وخوف ومراقبة لله، فالحديث على الضد.

وهذا الأعمش - شيخ أهل الحديث في عصره وهو أكبر من شعبة وأوسع رواية- ومن رجال الجماعة يكشف أن أهل الحديث يحملون شيوخهم على الكذب، فيقول: قال حفص بن غياث سمعت الأعمش يقول لأصحاب الحديث: « لقد رددتموه حتى صار في حلقي أمر من العلقم ، ما عطفتم على أحد إلا حملتموه على الكذب)! والخلاصة هنا: أن الحديث وأهل الحديث ذمهم العقلاء كافة، حتى من أنفسهم وكبارهم، لأنهم يكثرون ويلتهون به ويزاحمون به القرآن ويشغلهم عن الهدى والإجماع على ذم أهل الحديث أكثر من الإجماع على ذم المتكلمين والمعتزلة والفلاسفة، لأن كبار أهل الحديث كالثوري وشعبة والأعمش يذمونهم.

وماذلك إلا لشرههم في الرواية وتفاخرهم بها وامتلاؤهم بها، وتكبرهم وتعاليهم وتلحظ هذا في ألفاظهم الجبروتية وعقولهم المنغلقة وقلوبهم الضيقة. وبعد هذا لا نعمم.. ففي أهل الحديث الصادق والعابد والمتقي لله .. ولكن للأسف السمة الغالية عليهم هو هذا التحجر وسوء الأخلاق ومزاحمة القرآن.

ونحن أيضاً لا ننكر الحديث ولا السنة، وإنما ندعو لوضعه في حجمه الطبيعي، بعد القرآن الكريم، وأن نبدأ بالقرآن ثم ننظر ما يشبهه من الحديث. وهذا عكس ما يفعله غالب أهل الحديث فهم يجعلون الحديث أصلاً ثم فهمهم له أصل الأصل ثم يكون القرآن تابعاً صغيراً قد يتذكرونه وقد لا يتذكرون! ولا يدرك عناد ثقافة أهل الحديث للقرآن الكريم - والتي تكونت من تلك الأحاديث المصنوعة - إلا بعد أن يتثقف ثقافة قرآنية، أما بدونها فلا.. لو كان في الوقت متسع لاستعرضنا مظم الأحاديث المشهورة، وعرضناها على القرآن الكريم ورأيتم ضعف أكثرها، وقد ضربنا مثلاً بحديث أركان الإسلام.

وذكرنا الفرق بين (إسلامات الحديث) وإسلام القرآن وأن حديث بني الإسلام على خمس يخالف ما هو أوثق منه في الحديث فضلاً عن القرآن. ولكن أهل الحديث لهم غلبة صوتية، ولا تستطيع أن تكشف شبهة من شبهاتهم إلا بأن تكشف قبلها مئة شبهة، لأن بناءهم كله شبهات، ويدعم بعضها بعضاً. ولذلك فالحل هو العودة الصادقة المتواضعة الجادة لمنبع الهدى منبع النور كله مصدر الهداية الذي يهدي للتي هي أقوم ثم بعدها يمكن معرفة ماصح.

عن المدون

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

أرشيف المدونة